شهدت بعض المحيطات الجامعية خلال السنوات الأخيرة انتشارًا مقلقًا لظاهرة خطيرة، تتمثل في استغلال طالبات جامعيات داخل شبكات دعارة حديثة تستعمل تطبيقات التواصل الاجتماعي ومنصات “الاقتصاد الرقمي الأسود” كواجهات نشاط، ما حوّل بعض الأحياء القريبة من الجامعات إلى فضاءات مريبة تضر بصورة المؤسسة الجامعية ورسالتها العلمية.
هذه الظاهرة، التي تفجّرت مؤخرًا باعتقال مجموعة من الطالبات المتورطات في ممارسات منسقة عبر تطبيقات مثل “Say” و”Afri” وغيرها من الوسائط الرقمية، لم تعد مجرد حالات فردية معزولة، بل أخذت شكلاً منظّمًا تديره وسطاء وخلايا خفية تستغل هشاشة بعض الطالبات، سواء بدافع الحاجة المادية أو الطمع في الربح السريع.
ويشير فاعلون جمعويون إلى أن الأمر لا يتعلق بانحراف فردي، بل بشبكات تستغل التكنولوجيا في استقطاب الفتيات، وتقديمهن داخل “خدمات” محجوبة عن أعين السلطات، عبر غرف دردشة مغلقة ومعاملات مالية رقمية يصعب تتبعها. وقد ساهم هذا التطور في توسيع دائرة الاستغلال ورفع من مستوى الخطر الأخلاقي والاجتماعي حول الجامعة.
كما يلفت متخصصون في علم الاجتماع إلى أن تفريغ الجامعة من قيمها المعرفية وتحويل محيطها إلى سوق للفوضى السلوكية، يحمل انعكاسات خطيرة على الطلبة والأساتذة وصورة التعليم العالي ككل. فالجامعة، التي يفترض أن تكون فضاءً للبحث والتنوير، أصبحت في بعض المناطق محاصرة بأنشطة انحرافية تسعى “المافيا الرقمية” لاستثمارها.
وتؤكد مصادر أمنية أن العمليات الأخيرة مكنت من تفكيك بعض هذه الشبكات والقبض على عناصر نسائية ووسيطات ورجال مرتبطين بالاستغلال، مشيرة إلى أن الأجهزة مستمرة في تتبع الخيوط الرقمية لجمع كل الأدلة الممكنة. وتضيف نفس المصادر أن الظاهرة تتخذ أشكالًا جديدة تتطلب تعاملاً أكثر تطورًا، خصوصًا وأن التكنولوجيا أصبحت الأداة الرئيسية لتمويه الأنشطة غير القانونية.
ويبقى السؤال المطروح: كيف يمكن حماية الطالبات من هذا النوع من الاستغلال؟
الجواب، وفق الخبراء، يبدأ من تقوية التأطير داخل الأحياء الجامعية، وإطلاق برامج دعم نفسي واجتماعي للطلبة، ووضع استراتيجيات أمنية ورقمية أكثر فعالية، بالإضافة إلى حملات توعية تشارك فيها الجامعة نفسها كفاعل محوري.
فمحيط الجامعة يجب أن يظل امتدادًا لرسالتها العلمية، لا مرتعًا لشبكات تفسد الأخلاق وتستغل الهشاشة وتحوّل المستقبل إلى سلعة.
الظاهرة خطيرة… ومواجهتها تقتضي تعاونًا جماعيًا بين الجامعة والمجتمع والأمن، قبل أن تتحول بعض الأحياء الجامعية إلى مناطق خارجة عن الرقابة.

