حرائق الغابات لم تعد مجرد مشاهد مأساوية موسمية، بل تحوّلت إلى معضلة وطنية تتطلب تعبئة شاملة تتجاوز تدخلات رجال الإطفاء. فالغابة ليست فقط ملكًا طبيعيًا، بل مورد رزق لآلاف الأسر، ومجال رعوي، ومخزون نباتي، ودرع طبيعي ضد التغيرات المناخية. لذلك، فإن أي تهديد لها هو تهديد مباشر لحياة الناس واقتصادهم المحلي، وللتنوع البيولوجي الذي يميّز التراب الوطني.
تجارب السنوات الماضية أظهرت أن الاستجابة للحرائق بعد اندلاعها لم تعد كافية، وهو ما يفرض تبني رؤية استباقية واضحة، تُشرك الجميع: من السكان المحليين إلى الجماعات الترابية، ومن الجمعيات إلى القطاعات الوزارية المعنية. فالمعركة ضد الحرائق تبدأ من وعي المواطن بأبسط سلوكياته في الغابة، مرورًا بتوفير وسائل التدخل السريع، وصولًا إلى اعتماد تكنولوجيا الرصد المبكر واستعمال الطائرات دون طيار لرصد المناطق الساخنة قبل أن تتحوّل إلى بؤر نيران.
إن المرحلة تقتضي تغييرًا في نظرتنا إلى الغابة، من كونها فضاء طبيعيًا هامشيًا إلى اعتبارها مكونًا استراتيجيًا في الأمن البيئي الوطني. ومن هذا المنطلق، فإن تحذير الوكالة الوطنية للمياه والغابات ينبغي أن يُقرأ كدعوة عاجلة لليقظة والانخراط الجماعي، لأن خسارة الغابات ليست فقط خسارة مساحات خضراء، بل ضياع لمصدر حياة وأمن واستقرار.