Site icon جريدة صفرو بريس

بندوة مركز النهار الدكتور أحمد الدرداري يبرز قراءته لوثيقة النموذج التنموي الجديد

د أحمد الدرداري

في البداية لابد من القول أن في بلدنا قيم واكثر قيمة لدينا يمكن الانطلاق منها والعودة إليها في كل مر، هي الإرادة الملكية التي تبقى واضحة ومعلومة ودقيقة والتي تنم عن إرادة جلالة الملك حفظه الله في التحول نحو نموذج تنموي مغربي، وان المبحوث عنه في هذا التقرير هو ارادة باقي الفاعلين كقيمة مبحوث عنها لترسيخ او تنزيل نموذج تنموي مغربي، نقول بناءا على تشخيص موضوعي شمولي للوضعية التنموية في بلادنا استطاعت لجنة النموذج التنموي ان ترصد المؤهلات المتوفرة وان ترصد ايضا الإختلالات ومكامن الضعف ومكامن الخلل مع طرح إمكانية التحول الهيكلي لا على المستوى الترابي ولا على المستوى الوطني ومع ارادة الدولة طبعا في تقوية أرضية صلبة تنخرط فيها كل الأجيال وكل الفعاليات وكل الطاقات من أجل تغير وجه المغرب المعاصر، أي وجه المغرب الحالي فالتقرير يهدف من خلال عرض لنموذج تنموي حسب تقرير اللجنة الى رسم مسار تنموي يستند على انتظارات وتطلعات المواطن لكن لديها أيضا ارتباطات بالوعود الدستورية التي جاءت في دستور 2011 ، طبعا هذا التقرير الهدف منه هو الوقوف على سؤال لماذا لم نتقدم في الزمان والمكان المطلوبين وإعطاء تصور عن لماذا لم نعطي من قبل تصور لتنمية تشاركية ؟ من طرف كافة الفاعلين ويستوعب الجميع الشرائح المجتمعية كلها و بشكل يجعل من تدبيرنا التنموي نمطا ونموذجا جيداً متناغما تشاركيا يعني جماعيا وهو ما جعل اللجنة تقف على مجموعة من المعيقات وهي معيق البطء في المساطر ، البطء التنموي معيق حول غياب الإنسجام ثم محدودية القدرات في النظام العام ثم أيضا ضعف الحماية القضائية كمرتكز مهم للنموذج التنموي .
أنا أقول بأن عمل اللجنة وأسئلة لابد من طرحها قبل عرض الحصيلة وهو عمل اللجنة ، هل اعترضته صعوبات ؟ بالطبع نعم ، هل وقفت على أهم العراقيل في حياتنا التنموية بالطبع نعم وهل ضبطت كيفية الجمع بين القوى العقلية والقوى الإنتاجية و القوى التسويقية ؟ هذا هو المبحوث عنه، هو كيف نجمع بين القدرة العقلية، أي قدرة التفكير وقدرة التنظير و قدرة الإنتاج بكافة مستويات الإنتاج ثم قدرة التسويق أي الوصول الى قلب التنمية الا وهو المواطن في اعتقادي ان المشروع الذي وضع بين يدي جلالة الملك هو مشروع تنموي جديد ويعتمد على مرجعية جديدة للتنمية، و يكلف جميع الفعاليات وجميع القوى الحية الإنخراط كل من زاويته لكي نعلن عن ان المغرب دولة صاعدة و دولة من حقها ان تلتحق بنادي الدول الصاعدة . فمسؤولية الإقلاع الشامل مسؤولية المغاربة ومسؤولية التنمية والتخطيط هي مسؤولية المؤسسات المتخصصة و المختصة قانونا ودستورا واقول بأن جميع الفاعلين ينبغي أن تجمعهم مقاربة تشاركية، و في إطار ما درسته في هذا التقرير اقول بأن اللجنة استطاعت أن ترسم مسارا تنمويا جديدا ولكن يبحث هذا المسار عن الثقة، ثقة المواطن في المؤسسات و ثقة الدولة في المشروع التنموي و ثقة الفاعلين فيما بينهم من اجل النهوض بالمغرب من جديد وتعزيز الحماية القانونية والمعنوية وتعزيز الحماية المؤسساتية وحماية الرأسمال اللامادي لأن الهدف من وراء النموذج التنموي هو الإنسان. فجميع الفاعلين سواء الفاعلين العموميين او قطاع الخاص او الاحزاب السياسيه او الجمعيات او الجامعات او مراكز الدراسات كلها فعاليات معنية بإنجاح الورش المغربي الجديد، طبعا ومن المؤكد أن اللجنة وقفت على خيارات استراتيجيه وعند رهانات مستقبلية وسجلت ضرورة تسريع وتيرة التحول الهيكلي للإقتصاد الوطني و قالت بضرورية تحريك دينامية اكثر نجاعة و انسايبية واكثر سرعة واكثر تفاعلا وتنوعها وتنافسية، ثم ان اللجنة حينما رصدت الواقع و أرادت أن تقدم نموذجا من داخل المؤسسات او من خارج المؤسسات وهي تريد أن تبحث عن منهجية الإشتغال التي يمكن أن محاربة من خلالها من لا يشتغل ومن لا يريد ان يؤدي مهامه ضمن مشروع وطني بشكل متناغم ومتماسك في جميع القطاعات الفلاحية والاقتصادية والسياحية والتربوية والاجتماعية كلها، فعموما يمكننا القول ان المغرب يمكن ان ينطلق ويمكن ان يحقق نموذجا تنمويا يبحث عن الإندماج وعن صفة مغربية تنموية محضة و بدفع إرادة جماعية بمشاركة المرأة بمشاركة الشباب بمشاركة القطاع الخاص وبكل مكونات المجتمع المغربي من اجل دعم تنمية دامجة و مندمجة، ضمانا لقاعدة العمل المشترك واستثمارا للتعدد الثقافي واستثمار ما يسمى بالبعد الحضاري للمملكة المغربية.
أنا أقول بأن مغرب الإحراج ومغرب الصراحة من داخل الثوابت الوطنية هو الذي يمكن أن يبني مغربا تنمويا او نموذجا تنمويا، فحماية الإصلاح ينبغي ان تكون حماية للمصلح ولا يمكن للإصلاح ان يكون بحماية المفسد، وربط المسؤولية بالمحاسبة من أهم القواعد والضوابط التي يمكن أن تكون سندا وقوة للنهوض بهذا النموذج التنموي، والنتائج المنتظرة لابد أن تعتمد أساليب الشفافية واسلوب الحكامة و التشارك والإنصات أسلوب القرب و الانفتاح .
لكن اين هو الخلل ؟ الخلل في حياة المواطن ولماذا لم يكن لدينا نموذجا تنمويا مرقمنا، رقمنة نموذج التنموي وهذه توصية في هذه الندوة لماذا لا يترجم هذا التقرير إلى مشروع مرقمن كل يحتل مكانه ضمن رقمنة سواء كان مستهدفا او كان فاعلا او كان وسيطا او كان مؤطرا ، اذا كان لدينا النموذج التنموي مرقمن، سيحفظ لنا عملية صرف المال العام ويحفظ لنا الحقوق والحريات ويضمن لنا أيضا المبادرة والتنافس وسنكون محيطين ببعضنا البعض عن طريق ارقام وعن طريق حسابات شفافة يسهل معها ربط المسؤولية بالمحاسبة و لانجد مجالا للإجتهاد الزائد. اذن هنا اقول بأن أرضية التعاقد هي أرضية النموذج التنموي أرضية متوفرة ، ولكن حذاري من ان يكون هناك إمكانية لحماية الريع الإقتصادي او الريع السياسي لأن فشل الوطن اذا فشل فاعل من الفاعلين داخل النموذج التنموي، سينعكس بالسلب على باقي الفاعلين، لذلك ينبغي ان لا يكون في دولة القانون هنالك من يريد أن يركب على النموذج التنموي في ظله أو في خلفيته لكي يمرر ريعا جديدا، وفي مغرب جديد يرقى او يتوخى ان يصل إلى نادي الدول الصاعدة. فعموما السياسات المالية والسياسات الإقتصادية و الإجتماعية ينبغي ان تكون برؤية متكاملة يعني سياسة عمومية معينة تكمل السياسة العمومية الأخرى، واقف هنا عند المجال الضريبي فالعدالة الضريبة هي اساس المشروع التنموي هذه ملاحظة على مشروع النموذج التنموي حيث ينبغي ان تكون هناك عدالة ضريبة وتوسيع الوعاء الضريبي، لان المال هو عصب النموذج التنموي وينبغي أن لا يكون احد خالي او معفي من اسهامه المادي والضريبي، لأن خزينة الدولة اذا كانت قوية فإن التنمية بطبيعة الحال ستكون قوية. انا أقول هذا النموذج يحتاج الى الإلتزام السياسي والى الإلتزام المجمتعي سواء المادي او المعنوي لأن جلالة الملك حفظه الله لما اراد استخراج تصور تنموي نموذجي للمغرب، أراده متاكملا لا خلل فيه ولا خطأ فيه والكل متحمل فيه المسؤولية، فمثلا التعريف بالنموذج التنموي ينبغي ان يكون بطابع مغربي وينبغي أن يكون بخصوصية مغربية وان المرجعية لهذا النموذج ينبغي ان تكون الهدف منها التنمية الوطنية ثم انه ينبغي ان يكون متجانس لإستراتيجيات كل استراتيجيه ينبغي ان تكون متكاملة مع الاخرى ، وأنا أقول هنا يتطلب الأمر وضع خلفية للعمل الحكومي ، و هذا النموذج من خلال هذا التقرير ينبغي ان يكون خلفية الحكومات اي الخلفية السياسية لأي حكومة، ولايمكن لأية حكومة كيف ما كانت الا وتشتغل على ضوء هذه الخلفية التي جاءت في مضمن هذا التقرير الذي أعدته اللجنة لتوجيه البرامج الحكومية، لاسيما اننا نحن امام تحول مهم، تحول استراتيجي تحول دولي فلايمكن لهذا التحول الا أن يرافق بنموذج تنموي يستطيع من خلاله المغرب ان يقول انه دولة تناقش على المستوى الدولي، يدافع عن مصالحه الإستراتيجية، يقول كلمته في المجتمع الدولي وهو واثق من معطياته المادية والمعنوية والتنموية والبشرية، فالمعطى التنموي مهم والمسار المشترك مهم ، و اقول ان المغاربة اليوم جميعهم ينبغي ان يفتخروا لأنهم فكروا بصدق في ان يخرجوا من الاختلالات المجالية ومن الفوارق الاجتماعية، بالبحث عن مخرج قد لا يلائم مئة في المئة الوضع ، ولكنه بوابة أساسية وانه ممك تطوير هذا النموذج مع الوقت لأن النموذج من الممكن ان بدخل عليه اصلاحات، وممكن ان يكون قابل للمراجعة وجلالة الملك حفظه الله، كل محور من محاور النموذج التنموي اذا لم يرضيه فسيعمل على تغيره الى ان نصل الى النموذج المتكامل، وهذا بداية النموذج وليس النموذج المثالي، وبداية وضع التنمية على سكتها في قالب نموذجي قد يكون ليس هو الأجود ولكنه مهم في هذه الظرفية.
حينما نقول النموذج التنموي الآن الذي بين أيدينا هو مجهود لشهور من العمل و هو عصارة عمل لجنة مكونة من نخبة عارفة، متمرسة، متكونة. ولكن علينا أن نقتنع بأن العمل يبدأ بهذا المجهود ثم لكي نصل إلى الرقي، لكي نصل إلى ما هو أفضل ينبغي أن نعمل بحزم على تطبيقه، و نرى أين هو الخلل في تنزيله، و عموما تبقى دولة القانون ودولة المؤسسات، ودولة الحرية، ودولة الواجبات، و ليس الحقوق فقط، هنا ينبغي أن نقف عند الواجبات و نستخرج كل الواجبات من هذا النموذج مقابل استخراج كل الحقوق و نرى هل المغرب يقبل بالموازنة بين الحقوق و الواجبات لأن هذا الذي ينتظره بلدنا .
و ما يمكنني أن أضيف هو طموح أن جميع المغاربة لكي يرى هذا النموذج النور و هو مصحوب بسؤال عميق : هل هذا النموذج الذي تقدمت به اللجنة الكريمة بين يدي جلالة الملك -بتقرير مفصل- سيعكس لنا عقدا اجتماعيا جديدا ينم عن دخول المغرب مرحلة التوافقات، مرحلة الإلتقائية و الالتفاف خصوصا و أن اللجنة توصلت إلى حقيقة مفادها عدم وضوح المسؤوليات و ضعف الانسجام و ضعف الالتقائية بين الفاعلين و أن إيقاع الإصلاحات كان بطيئا.
إذا، ما يمكنني أن أقول هو ينبغي أن نراهن على التنسيق العمودي و الأفقي و على التحول البنيوي للاقتصاد و عن تقوية القدرات الحقيقية للقطاع العمومي للدولة، لأن الدولة ينبغي أن تبقى حاضرة و هي السند القوي للبقاء و الاستقرار و لحماية الحقوق و حماية الحريات.
ثم أيضا لابد من التوجه إلى تقوية القضاء و دور القضاء في حماية الحقوق و الموروث الإنساني و البشري و التنموي. و لا يمكن أن نخرج من هذا اللقاء الكريم إلا ونحن واضعين أصبعنا على القضاء لأنه أساس حماية هذا النموذج التنموي و مضمون هذا النموذج التنموي، و حماية حصص الشركاء وحماية المغرب والمغاربة حاضرا ومستقبلا.

Exit mobile version