د.أحمد الدرداري
لقد تضمنت الرسالة التي بعث بها رئيس الحكومة الاسبانية مواقف وإشارات تاريخية عبرت عنها الحكومة الإسبانية لأول مرة في سياق العلاقات مع الرباط، خاصة في ما يتعلق بموقف مدريد من نزاع الصحراء المغربية والدعوة إلى بناء علاقات متينة مع المغرب مبنية على قاعدة الثقة واحترام سيادة الدولتين والاحترام المتبادل.
ومعلوم أن اسبانيا هي التي سبق ان احتلت الاقاليم الجنوبية للمملكة المغربية، وهي التي بقيت تقدم الدعم للبوليساريو وتروج لاطروحة الانفصال بشتى الطرق، وان فرانكو هو الذي اوكل للنظام العسكري مهمة عسكرة البوليساريو والتصعيد ضد المغرب و الترافع من أجل تحقيق مطلب تقرير المصير الذي تقدم به الاتحاد السوفياتي امام هيئة الامم المتحدة ، وبحكم ان النظام العسكري الجزائري نظام شمولي يعود تأسيسه الى فترة الحرب الباردة، وان وجود هذا النظام العسكري فرضته ضرورات احداث جدل سياسي في المنطقة وتضييق الخناق على الأنظمة الليبرالية ومحاولة الاطاحة بها. و بعد فشل عدة محاولات الانقلاب في المغرب تم تغيير وجهة الصراع بخلق تيار انفصالي معاكس ادعى كيانا وهميا ولقي تأييدا في بداية الامر من طرف عدد من الدول .
وبعد عقود من الصراع انكشف سر تبني اطروحة الانفصال كمشروع دولة وهمية يحمل اسما جغرافيا تحت مسمى الصحراء الغربية، وتارة اسما سياسيا تحت مسمى الجمهورية العربية الاشتراكية الصحراوية، وانفضح التآمر و محاولة جر المنطقة الى دوامة الحروب … لكن بفضل الديبلوماسية الملكية الحكيمة والوازنة التي انطلقت من الثوابت الوطنية الجامحة لكون المواطنين ذوي النزعة الانفصالية قليلون ولا يمثلون سكان الاقاليم الجنوبية للمملكة، وقواعد التعامل الدولي و المقاربة الواقعية التي تنطلق من الواقع والقانون والتاريخ و الدين و روابط البيعةً بين زعماء القبائل الصحراوية والسلاطين .. الشيء الذي مكن المغرب من اكتساب قضيته في المحافل الدولية وأصبح موثوقا به ومعتمدا عليه وذي مصداقية في حل النزاعات بطرق سلمية .. الشيء الذي يتناقض مع اهداف النظام العسكري الجزائري، بل وحتى الانظمة الاشتراكية تخلت عن دعمها للانفصال واقتنعت بان نزاع الصحراء المغربية ما هو الا حصى في حذاء المغرب يراد منه عرقلة التطور والتنمية بالمغرب والمساس بسيادته وتعطيل الالتحاق بالركب، وحتى تبقى تنمية الشعوب المغاربية متقارب من حيث درجة التخلف،.
ان قرار الاعتراف الامريكي بمغربية الصحراء اوجع الخصوم وايضا قرار مجلس الامن 2602 الذي اعتبر الحكم الذاتي هو الحل الوحيد المتوافق حوله والقابل للتطبيق والذي يمكنه ان ينهي الخلاف بين الاطراف، كما أن بعثرة الاوراق و كل الخطوات اليائسة التي حاول النظام الجزائري ان يلعبها عربيا واوربيا خصوصا محاولات جر الدول الى حلف معادي للمغرب في قضيته الاولى، وهو ما انعكس سلبا على عدد من الدول مثل المانيا واسبانيا وفرنسا .. الشيء الذي غير من مواقف هذه الدول فكانت المانيا السباقة الى تغيير مواقفها واعتبرت مبادرة الحكم الذاتي مبادرة جادة وهي الحل الانجع ، وتبعتها اسبانيا ايضا بنفس التوجه حيث بعث رئيس الحكومة برسالة اعتذار واعتراف وطلب تجديد للعلاقات بين البلدين، ومن المنتظر ان تقوم فرنسا بنفس الخطوة وستكون هي آخر مسمار يدق في نعش الخيانة والتآمر ضد الوحدة الترابية للمغرب، حيث ان فرنسا هي من صنعت دولة الجزائر والنظام العسكري الجزائري وهي المتحكمة فيه اداريا واقتصاديا وتعرف جيدا واقع الدولة الجزائرية، وما ينطوي عليه التوجه البئيس للطغمة العسكرية .
وتجدر الاشارة الى ان دولة روسيا التي دخلت في حرب ضد اوكرانيا توجد اليوم في موقف دولي لا يمكنها معه التعاطي مع قضية خارجية لكونها ليست من الاولويات .. ونظرا لكون العلاقة الروسية المغربية افضل من ذي قبل فان تخلي روسيا عن التدخل في الشؤون الداخلية للمغرب هو تعامل بالمثل سيضيف وعكة جديدة للنظام الجزائري وستبقى قضية الصحراء المغربية قصة الخصوم روجت للوهم بدون كاتب يحظى بالمصداقية . فهل من ذرائع بقيت امام الجزائر في خضم هذا التطور الدولي المؤيد للحكم الذاتي وسيادة المغرب على صحرائه ؟
بعد اعتراف اسبانيا بمغربية الصحراء هل بقي للجزائر من ذرائع لمعاكسة الوحدة الترابية للمغرب ؟
