لم تعد السواحل المغربية تشهد فقط محاولات الهجرة عبر قوارب مطاطية تقليدية، بل ظهرت في السنوات الأخيرة أنماط جديدة أكثر جرأة، من أبرزها استعمال الدراجات المائية التي كانت حتى وقت قريب مخصصة للترفيه والرياضات البحرية. هذه الوسيلة تحولت إلى أداة عبور غير قانوني نحو الضفة الأخرى، في مشهد يعكس حجم المخاطر التي أصبح المهاجرون مستعدين لتحملها في سبيل بلوغ الحلم الأوروبي.
حادثة شاطئ مارينا سمير الأخيرة تلخص هذا التحول، حيث أقدم شابان على استئجار دراجة مائية بطريقة غير قانونية، ثم انطلقا بها مباشرة صوب مدينة سبتة المحتلة، في مغامرة لا تخلو من مخاطرة. الأكثر إثارة أن المهاجرين قاما بترك الدراجة في الشاطئ الإسباني قبل أن يستعملا وسيلة أخرى للعودة إلى البحر، في عملية عكست تطورا واضحا في أساليب التحايل على المراقبة.
هذا السلوك الجديد يطرح عدة مستويات من القراءة والتحليل. أولا، من الناحية الأمنية، فإن استعمال الدراجات المائية يضاعف من صعوبة الرصد، بحكم سرعتها وقدرتها على المناورة مقارنة بالقوارب التقليدية. ثانيا، من الناحية القانونية، فإن استمرار نشاط كراء هذه الدراجات بطرق غير مضبوطة يكشف عن وجود ثغرات في المراقبة، ما يفرض تدخلا عاجلا لضبط هذا القطاع. ثالثا، من الناحية السياسية، فإن هذه العمليات تضع المغرب وإسبانيا أمام تحد متجدد، يعزز الحاجة إلى تنسيق أمني أكبر، وربما يفتح الباب مجددا لنقاشات أوروبية حول آليات الحد من تدفقات الهجرة غير النظامية.
غير أن البعد الأهم يظل اجتماعيا وإنسانيا، فالمغامرون الذين يختارون ركوب المخاطر عبر البحر ليسوا سوى نتاج واقع اقتصادي صعب، وفقدان الأمل في إيجاد فرص عمل أو أفق يضمن لهم الكرامة داخل الوطن. الهجرة عبر الدراجات المائية ليست نزوة شبابية، بل انعكاس لأزمة عميقة يعيشها جزء من المجتمع، خصوصا في صفوف الشباب العاطل والمهمش.
في المحصلة، فإن ما وقع بمارينا سمير يبرز أن الهجرة غير النظامية في المغرب لم تعد تحافظ على أنماطها الكلاسيكية، بل أصبحت تتكيف بسرعة مع القيود الأمنية وتبتكر طرقا جديدة للعبور. وهو ما يفرض استراتيجيات أكثر شمولية، لا تكتفي بالردع الأمني، بل تدمج مقاربة اجتماعية واقتصادية تعالج جذور الظاهرة وتعيد الأمل للشباب قبل أن يدفعهم اليأس إلى المغامرة بحياتهم في عرض البحر.