على مدى سنتين، ومنذ قدومه إلى مدينة المنزل، حمل الباشا على كاهله مسؤولية محاربة البناء العشوائي بالمدينة؛ معطيا كل الأولوية لهذا الملف الشائك، ومسخرا في ذلك كل الإمكانيات المتاحة، ومستخدما كل البأس والصرامة في التصدي لكل الحالات التي تفتقر إلى ترخيص.. فلم تمض على ذلك إلا أشهر قليلة حتى اختفت جل أشكال البناء تقريبا. وأصيبت المدينة بشلل شبه تام، لم تقتصر تجلياته على ممتهني هذه الحرفة وعائلاتهم فحسب. ، من بنائين ومهندسين، بل امتدت الأزمة لتطال كل ما يتعلق بميدان البناء: من رصاصين، وحدادين، وكهربائيين، وتجار لمواد البناء… فرحل عامتهم إلى المدن والقرى المجاورة، بحثا عن الرزق والمأوى، بعد استحالة ذلك محليا. بينما اشتغل الباقون بحرف معاشية أخرى منتظرين انفراج الأزمة، وتبدل الأحوال.
الاستراتيجية التي لجأ إليها الباشا، والعمل الكبير الذي قام به ـ رغم قساوته ـ كان محمودا، واستحسنه عدد كبير من الساكنة. ورغم الأزمة، فقد ساهم إلى حد كبير في الحفاظ على رونق المدينة وجماليتها، وأنعش إلى حد ما مداخيل البلدية. وكان من الممكن أن يكون مثاليا، لو نهج المسؤول المحلي بموازاة مع ذلك خطة تهدف إلى إيجاد حل للأزمة، دون الاقتصارعلى الجانب الزجري، والاعتماد على المقاربة الأمنية فقط. عبر الدفع نحو إخراج تصميم تهيئة المدينة للوجود؛ (الذي لم ير النور منذ سنوات طويلة، رغم الحديث الذي لا يتوقف عنه) وإعطاء البديل القانوني للبناء العشوائي، عبر توفير وإتاحة البناء المرخص، الذي سياهم حتما في الرفع من مداخيل البلدية، ويقضي على الركود الكبير الذي تشهده المدينة الصغيرة، ويضع حدا للبطالة المستشرية بها. وينعش اقتصادها من جديد..