Site icon جريدة صفرو بريس

المنزل: صرخة أصغر متقاعد في المغرب يستنجد بصاحب الجلالة

   أحس الشاب “رضوان خيار” بخيبة أمل كبيرة، وغصة مؤلمة، وكآبة شديدة وهو يطالع سجل حياته القاتم والمؤلم.. لم يكن يتصور أبدا ولا حتى في أسوإ كوابيسه أن تنتهي به الأمور وتتطور إلى هذا الحد البائس من التيه والضياع والتعاسة.. أشعل إحدى سجائره بيد مرتجفة، ثم سحب نفسا عميقا محاولا أن يسخر من عقم تجربته.. وحملق في الوجوه العابسة المحيطة به دون اكتراث؛ قبل أن يرتشف قهوته دفعة واحدة، ويسرح بخياله بعيدا عن العيون الكئيبة التي تحدق فيه دون كلل أو ملل.. عادت به الذاكرة إلى الماضي المجيد الذي يحن إليه، ويسلو باسترجاعه تعاسته…

   انخرط “رضوان” في سلك الجندية مع مستهل شهر شتنبر من عام: 1996 وهو في سن الثامنة عشرة. وكله حيوية ونشاط، ولم يغفل عنه الدهر إلا لأيام قليلة، ابتسمت فيها الحياة للشاب، قبل أن يدير له ظهره، ويتنكر له سريعا، ويعاجله بالضربات الواحدة تلو الأخرى.. حيث دبت المشاكل سريعا في علاقته برؤسائه، ثم تطورت الأمور رغما عن إرادته ليتم تعمد تسريحه خارج الخدمة العسكرية بعد سنتين تماما من التحاقه بها.

   فمع مطلع شهر شتنبر من العام: 1998 يحال الشاب رضوان على التقاعد تحت ذريعة عدم الانضباط داخل الجماعة. وتتم إحالته على المستشفى العسكري مولاي اسماعيل بمكناس، حيث ظل دفتر العلاجات الخاص به فارغ لا يشير إلى أية خدمات طبية استفاد منها. في الوقت الذي يتوصل فيه من العاصمة الرباط بمقتطف تقرير يتضمن شهادة عسكرية تشير إلى عدم كفاءة هذا الجندي للقيام بمهام عسكرية، من طرف لجنة لم يسبق لها مقابلة الشخص المعني. ليتقرر رغما عنه إصابته بمرض نفساني لا يعرف شيئا عن كنهه أو طبيعته، ويتم إثبات عدم أهليته للاستمرار في ممارسة عمله.. قبل أن يتوصل بشهادة تسليم المعاش العسكري للزمانة موقعة من طرف مدير الصندوق المغربي للتقاعد بتاريخ: 4 فبراير 1999 ويصير بذلك أصغر متقاعد في المملكة بعمر لايتجاوز العشرين سنة !

   اليوم يطلق الجندي البائس صرخة ألم كبيرة، بعد مضي 18 سنة ونيف من المعاناة والبؤس والألم.. وقد أُجبر أخيرا على التخلي عن ابتسامته المعهودة ومرحه المشهور.. لتبدأ مرحلة جديدة من الموت البطيء بعد أن سدّت كل الآفاق في وجهه، وتنكر له الأهل والمجتمع والوطن.. وبعد أن تم وأد كل شيء جميل في حياته، يخطو بثبات نحو حتفه، في غياب تام لأبسط مقومات العيش الكريم خصوصا مع الراتب الهزيل والحقير والمحبط والذي قدر ب: 8 دراهم لليوم الواحد.. ولم يبق له بعد رحمة الله عز وجل، إلا أن يستنجد بصاحب الجلالة مستغيثا به ضد الحيف الذي حول حياته إلى جحيم لا يطاق.

 

Exit mobile version