في ظرف زمني لا يتعدى خمس سنوات، استطاع المغرب أن يُحدث تحولًا عميقًا في مشهده الرقمي والابتكاري، ليصعد بسرعة إلى مصاف أكثر الأنظمة الريادية دينامية في القارة الإفريقية، بحسب تحليل نشرته جريدة “ليزيكو” الفرنسية المتخصصة في الاقتصاد.
من 7 إلى 82 مليون دولار: قفزة غير مسبوقة
في سنة 2019، لم تتجاوز قيمة الاستثمارات التي جمعتها الشركات الناشئة المغربية 7 ملايين دولار، في حين بلغت 82 مليون دولار سنة 2024، أي بمعدل نمو يتجاوز عشرة أضعاف. هذه القفزة النوعية وضعت المملكة ضمن الخمسة الأوائل في إفريقيا من حيث جاذبية منظومة الابتكار، بحسب الجريدة الفرنسية.
ثلاثة محركات أساسية لهذا النجاح
ويُعزى هذا الأداء إلى ثلاث ركائز رئيسية:
- مورد بشري مؤهل: أكثر من 50 ألف خريج سنويًا في مجالات العلوم والهندسة.
- استقرار سياسي وموقع استراتيجي: يجمع بين العمق الإفريقي والانفتاح الأوروبي.
- استراتيجية حكومية واضحة: عبر إطلاق خطة “المغرب الرقمي 2030” سنة 2019، بميزانية تناهز 1,1 مليار دولار.
نتائج ميدانية وبرامج داعمة
ووفقًا لتقارير ميدانية، بدأت نتائج هذه الاستراتيجية تتجسد على أرض الواقع، خاصة من خلال برنامج “212 Founders” الذي دعم 120 شركة ناشئة منذ إطلاقه، وحقق نسبة بقاء 75% بعد ثلاث سنوات من النشاط، وهي نسبة عالية بمعايير الابتكار العالمية.
قوة الجالية المغربية بالخارج
ويمتلك المغرب ورقة رابحة أخرى تتمثل في جاليته الواسعة بالخارج، والتي تضم 5 ملايين مغربي، من بينهم عدد كبير من الكفاءات في قطاع التكنولوجيا. وتفيد سلمى بكال، مؤسسة منصة التعليم الرقمي Lingui، بأن 30% من المستثمرين في شركتها من مغاربة المهجر.
وساهمت هذه الجالية في إنشاء أكثر من 30 صندوق استثمار لدعم ريادة الأعمال في المغرب، مما أدى إلى ضخ تمويلات ونقل خبرات نوعية ساعدت في تسريع وتيرة الابتكار.
تحديات قائمة رغم التقدم
ورغم هذه الإنجازات، لا تزال بعض التحديات ماثلة:
- فقط 15% من الشركات الناشئة جمعت أكثر من مليون دولار.
- الإنفاق على البحث والتطوير لا يتعدى 0.8% من الناتج الداخلي الخام.
- اشتداد المنافسة الإقليمية، خاصة مع نيجيريا ومصر، اللتين تمتلكان أسواقًا أكبر وقواعد استثمار أوسع.
آفاق مشرقة… والرهان على أول “يونيكورن” مغربي
لكن الآفاق تبقى واعدة. فحسب محللين من Casablanca Finance City، “جميع المؤشرات تُشير إلى إمكانية ظهور أول شركة مغربية أحادية القرن (يونيكورن) بحلول سنة 2026”. وتبدو شركة Chari، المتخصصة في الخدمات الرقمية الموجهة لتجار الجملة، من أبرز المرشحين لهذا الإنجاز بعد جولات تمويل ناجحة.
المغرب… محرك للابتكار في إفريقيا الفرنكوفونية
في خضم الثورة الرقمية التي تعيشها القارة الإفريقية، يبدو أن المغرب قد أخذ الأسبقية. والسؤال المطروح الآن: هل سينجح في تحويل هذا التقدم إلى نموذج تنموي مستدام؟.
الأكيد أن المملكة تمتلك اليوم كل المقومات لتصبح مركزًا إقليميًا للابتكار التكنولوجي في إفريقيا الفرنكوفونية، بشرط مواصلة الإصلاحات، وتحفيز الاستثمار، ودعم البحث والتطوير.