يواصل المغرب تثبيت أقدامه كرقم صعب في معادلة الأمن والدفاع داخل القارة الإفريقية، مستندًا إلى رؤية استراتيجية تجمع بين التحالفات العسكرية والتنسيق الاستخباراتي والعمل متعدد الأطراف. وقد برز هذا التوجه بشكل لافت خلال الأسبوع الجاري، من خلال حدثين بارزين رسّخا موقع المملكة كفاعل محوري في التصدي للتهديدات العابرة للحدود.
في الرباط، وقعت المملكة المغربية اتفاقية تعاون عسكري مع جمهورية رواندا، يوم 18 يونيو، تروم تطوير الشراكة الثنائية في مجالات الدفاع والأمن وتبادل الخبرات والتكوين. وتمثل هذه الخطوة دفعة جديدة في مسار التعاون الأمني المغربي الإفريقي، حيث تنخرط الرباط في توسيع دوائر شراكاتها باتجاه بلدان شرق القارة، في سياق إقليمي يتسم بتحديات أمنية متصاعدة، أبرزها الإرهاب العابر للحدود وتهريب الأسلحة والجريمة المنظمة. وتؤكد مضامين الاتفاقية، التي أبرمت بين مسؤولين عسكريين من البلدين، على العمل المشترك في محاربة التهديدات غير التقليدية، ودعم قدرات الجيش الرواندي، خاصة في مجالات التكوين واللوجستيك والمراقبة، فضلاً عن فتح قنوات تبادل استخباراتي منتظم يهدف إلى تعزيز الأمن الإقليمي في الفضاء الإفريقي الفرنكوفوني.
بالتزامن، احتضنت مدينة أكادير الاجتماع الرابع لرؤساء وكالات مكافحة الإرهاب والأمن في إفريقيا، بمشاركة أكثر من 40 جهازًا أمنياً يمثلون مختلف مناطق القارة، بالإضافة إلى ممثلين عن الأمم المتحدة وعدد من الهيئات الدولية. اللقاء، الذي يندرج ضمن دينامية إقليمية لدعم الأمن الجماعي، شكل مناسبة لتعميق النقاش حول تنامي التهديدات الإرهابية في منطقة الساحل، ودراسة سبل التنسيق بين الدول الإفريقية للتصدي الفعّال للجماعات المتطرفة. وقد تناول الاجتماع مواضيع حيوية مثل حماية الفضاء الرقمي من الاختراقات الإرهابية، وتجفيف منابع التمويل، واستباق المخاطر عبر تطوير آليات الرصد والتحليل المشترك، بالإضافة إلى دعم قدرات أجهزة الاستخبارات والتدخل السريع.
هذه الأنشطة تعكس، بوضوح، التحول الذي يعرفه المغرب من دولة تُؤمّن حدودها إلى دولة تساهم في بناء منظومة أمنية إفريقية متكاملة، قوامها التعاون المتبادل وتبادل الخبرات والتكوين المؤسساتي. كما أن استضافة المغرب لمثل هذه الفعاليات القارية يعزز مكانته كمنصة للحوار الأمني وبيت خبرة يُراكم التجربة في مجالات مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، مع التزام واضح بالمقاربة متعددة الأبعاد التي تربط الأمن بالتنمية والاستقرار السياسي.
وبينما تتزايد التهديدات العابرة للقارات، يظهر أن المغرب لا يراهن فقط على القوة التقليدية، بل أيضًا على الابتكار الاستخباراتي والدبلوماسية الوقائية، بما يجعل منه فاعلاً قارياً لا غنى عنه في رسم مستقبل الأمن المشترك في إفريقيا