تقدم الزيارة التي قام بها وفد شبكة البرلمانيين الافارقة لتقييم التنمية إلى مدينة العيون مؤشرات قوية على المكانة المتصاعدة التي بات المغرب يحتلها داخل القارة، ليس فقط باعتباره بلدا مستقرا وفاعلا دبلوماسيا نشطا، بل كنموذج تنموي يعاد إنتاجه داخل النقاش الافريقي حول اساليب التقدم وتدبير السياسات العمومية. فالتصريحات التي ادلى بها رئيس الشبكة، جيريمي ادومهو، تتجاوز المجاملات الدبلوماسية المعتادة، لتضع المغرب في مصاف الدول المرجعية التي نجحت في تحويل خطط التنمية إلى واقع ملموس ومشاريع كبرى قابلة للقياس والتقييم.
فالوقوف على اوراش اقتصادية واجتماعية وتربوية في الاقاليم الجنوبية يكشف بشكل عملي ما تشير اليه التقارير الدولية حول حجم الاستثمارات التي ضخها المغرب خلال السنوات الاخيرة، خاصة ضمن النموذج التنموي الجديد لهذه المناطق. وهو نموذج يعتمد على دمج البنية التحتية الحديثة مع قطاعات استراتيجية، مثل الطاقة المتجددة، وتحلية مياه البحر، والموارد المعدنية، وتطوير العرض الصحي والتعليمي. وهذه القطاعات كانت من بين المحطات التي زارها الوفد، بما فيها المركز الاستشفائي الجامعي وكلية الطب والصيدلة ومدينة المهن والكفاءات والميناء الفوسفاطي.
في الجانب السياسي، شدد ادومهو على الدور الريادي للمغرب في التعاون جنوب جنوب، وهي مقاربة رسخها جلالة الملك محمد السادس منذ سنوات، وتقوم على تبادل المنافع والمشاريع المشتركة وجعل الخبرة المغربية أداة لحل مشاكل افريقية من داخل افريقيا، بعيدا عن الوصفات الجاهزة التي ظلت مفروضة لسنوات من الخارج. وهذا التوجه يفسر تزايد استضافة المغرب لاجتماعات افريقية ودولية كبرى، وهو ما اعتبره رئيس الشبكة عاملا يجسد دور المملكة كفضاء مستقر للتنسيق والتخطيط وتبادل التجارب.
من جهة اخرى، تكتسي إشادة عدد من الشخصيات الافريقية المشاركة في الوفد دلالات مهمة. فممثلو القمر واسواتيني والسنغال اكدوا خلال الزيارة ان التطور التنموي في الاقاليم الجنوبية لم يعد مجرد مشروع قيد التنفيذ، بل حقيقة قابلة للملاحظة المباشرة، سواء على مستوى البنى التحتية او وتيرة الانجاز. كما اشادوا بالموقف الدولي الداعم للمبادرة المغربية، خصوصا قرار مجلس الامن رقم 2797، ما يعزز الدبلوماسية المغربية في تدبير ملف الصحراء عبر مقاربة تجمع بين السياسة والتنمية الميدانية.
وتكشف طبيعة المشاريع التي تمت زيارتها عن رهان استراتيجي تتبناه المملكة، يقوم على إعادة تموقع هذه المناطق كأقطاب اقتصادية متكاملة، وليس مجرد امتداد جغرافي. وهو رهان يفسر حجم الشراكات الجارية، والتطور السريع في قطاعات التعليم العالي، والصحة، والطاقة، واللوجستيك، وتحديث الموانئ.
الزيارة حملت كذلك بعدا مؤسسيا مهما، إذ ان شبكة البرلمانيين الافارقة لتقييم التنمية تعتبر من الهيئات التي تشتغل على نشر ثقافة التقييم وربط السياسات العمومية بنتائج قابلة للقياس. واشارة رئيسها الى دور المغرب في هذا المجال تؤكد ان المملكة لا تقدم فقط مشاريع جاهزة للعرض، بل تنخرط ايضا في تحسين اليات الحكامة.
في المحصلة، يظهر ان ما عاينه الوفد البرلماني الافريقي بالعيون ليس مجرد انجازات معزولة، بل تراكم لسياسات طويلة الأمد، جعلت من الاقاليم الجنوبية ورشا مفتوحا ورمزا للمقاربة المغربية التي تربط التنمية بالاستقرار، والدبلوماسية بالفعل الميداني، والتعاون الافريقي بآليات عملية تمس القطاعات الحيوية. وهو ما جعل المغرب، كما قال ادومهو، نموذجا يحتذى به في القارة، ونقطة جذب لبلدان تبحث عن بدائل جديدة لتسريع وتيرة تنميتها.

