يواجه المواطن المغربي منذ سنوات معضلة حقيقية في اقتناء الأدوية، ليس فقط بسبب غياب التغطية الصحية الشاملة، بل أيضا نتيجة الأسعار المرتفعة التي تفوق بكثير ما يدفع في بلدان أوروبية متقدمة أو حتى في دول عربية مثل مصر. هذا الوضع يثير تساؤلات حقيقية حول سياسات التسعير، ودور الدولة في حماية القدرة الشرائية للمواطنين، وفعالية الإجراءات التي تم اتخاذها في السنوات الأخيرة.
أرقام صادمة تكشف الفارق بين المغرب وأوروبا
تكشف البيانات المتوفرة عن فروقات مهولة بين أسعار الأدوية في المغرب ونظيراتها في دول أوروبا الغربية. فعلى سبيل المثال، يباع دواء Temodal 5 mg لعلاج السرطان في الصيدليات المغربية بسعر يبلغ 219 درهما، بينما لا يتجاوز سعره في فرنسا 1.20 يورو، أي ما يعادل تقريبا 13 درهمًا. هذا يعني أن المغرب يبيع هذا الدواء بـ فارق يفوق 1,590 في المئة مقارنة بفرنسا.
الفارق لا يتوقف عند دواء واحد فقط، بل يمتد إلى أدوية حيوية أخرى. دواء Avastin 400 mg يباع في المغرب بسعر يتجاوز 25,000 درهم، في حين لا يتجاوز ثمنه في مصر 5,100 درهم، أي بفارق يصل إلى 396 في المئة. أما Herceptin 600 mg، وهو دواء موجه لعلاج سرطان الثدي، فيباع في المغرب بـ 10,533 درهمًا، مقابل 8,539 درهما في مصر، و2,524 درهمًا فقط في الهند.
الأسباب الهيكلية وراء الغلاء
ترجع تقارير عدة هذا الغلاء إلى بنية التسعير المعتمدة في المغرب، والتي تعتمد على ما يسمى بنظام “المرجعية الخارجية” (ERP)، إذ يتم تحديد السعر المحلي بناءً على متوسط أسعار الدواء نفسه في ست دول مرجعية من بينها فرنسا وبلجيكا وإسبانيا. لكن هذا النظام، بدل أن يؤدي إلى تقليص الأسعار، يفعل عكس ذلك عندما يضاف إليه هامش ربح عالي للصيدليات والموزعين، فضلا عن الرسوم الجمركية والضرائب.
ورغم اعتماد إعفاء ضريبي على الأدوية منذ فاتح يناير 2024، إلا أن ذلك لم ينعكس بشكل ملموس على الأسعار النهائية للمستهلك، ما يطرح علامات استفهام حول مدى التزام الفاعلين في القطاع الدوائي بالإجراءات الحكومية، وحول فعالية المراقبة.
مصر تقدم النموذج المضاد: دواء أرخص وتغطية أوسع
مقارنة المغرب بمصر تظهر بوضوح مدى الهوة في الأسعار. فعلى سبيل المثال، دواء لعلاج التهاب الكبد الوبائي من نوع “C” يباع في المغرب بما بين 3,000 إلى 6,000 درهم، في حين لا يتجاوز سعره في مصر 800 درهم فقط. السبب لا يعود فقط إلى دعم الدولة المصرية للأدوية، بل إلى اعتمادها تسعيرا مبنيا على التفاوض المباشر مع الشركات المصنعة، وعلى تصنيع جزء كبير من الأدوية محليا.
المواطن المغربي يدفع الفاتورة وحده
في ظل هذا الواقع، يتحمل المواطن المغربي عبئا مزدوجا: أسعار مرتفعة، وتغطية صحية محدودة لا تشمل غالبا العلاجات الباهظة. ووفقا لتقارير حديثة، فإن متوسط ما ينفقه المغربي على الأدوية يتجاوز 580 درهما سنويا للفرد، بإجمالي سوق دوائي يقدر بحوالي 21.5 مليار درهم سنويا، وهو رقم مرشح للارتفاع في ظل تعميم التغطية الصحية دون مراجعة حقيقية لسياسة التسعير.
الحاجة إلى إصلاح عميق لمنظومة الدواء
الإصلاح الجذري لأسعار الأدوية في المغرب لم يعد خيارا، بل ضرورة وطنية. المطلوب هو تفعيل آليات الشفافية في تحديد الأسعار، وتعزيز الإنتاج المحلي، ودعم الأدوية الجنيسة، والقطع مع منطق الاحتكار الذي يسمح لعدد محدود من الشركات بالتحكم في السوق. كما يتعين إدماج هيئات حماية المستهلك في قرارات التسعير، وربط سعر الدواء بقيمته العلاجية، لا فقط بسياق المقارنة الدولية.
خلاصة
المغرب يدفع أغلى فاتورة دوائية في المنطقة، والمواطن هو المتضرر الأول. ورغم بعض المبادرات الحكومية لتقليص التفاوت، فإن الأرقام لا تزال تؤكد أن الفجوة بين المغرب وباقي الدول، سواء الأوروبية أو العربية، لا تزال شاسعة. المطلوب اليوم ليس فقط إصلاحا في آلية التسعير، بل أيضا تغييرا في فلسفة تدبير قطاع الدواء برمته، بما يجعل الصحة أولوية لا مجال للمضاربة حولها.
المغرب في صدارة الدول الأكثر غلاء في أسعار الأدوية
