Site icon جريدة صفرو بريس

القمة الافريقية بالصحة والسياحة العلاجية.. قراءة في رهانات المغرب وابعادها التنموية

تنظم جامعة محمد السادس للعلوم والصحة بالداخلة القمة الافريقية الاولى حول انظمة الصحة والسياحة الصحية، بمشاركة مجموعة من الخبراء والمسؤولين والباحثين من مختلف دول القارة. ورغم ان الحدث يبدو، في ظاهره، لقاء اكاديميا متخصصا، الا انه يحمل في العمق ابعادا استراتيجية تتجاوز الاطار الجامعي لتمس موقع المغرب داخل خريطة التعاون الافريقي، ومستقبل المنظومات الصحية بالقارة.

اولا، اختيار الداخلة لاحتضان هذه القمة ليس امرا اعتباطيا. المدينة تحولت خلال السنوات الاخيرة الى مركز اقليمي صاعد، يجمع بين موقع استراتيجي متصل بافريقيا جنوب الصحراء، واستثمارات متنامية في البنيات التحتية والخدمات. تنظيم قمة بهذا الحجم يكرس صورة الداخلة كمنصة مستقبلية للمعرفة والابتكار والخدمات الصحية، ويعزز الرؤية المغربية الرامية الى جعل الاقاليم الجنوبية قطبا للتنمية القارية، وليس مجرد مجال طرفي.

ثانيا، المناقشات المرتقبة حول تطوير الانظمة الصحية في افريقيا تكتسي اهمية خاصة، في ظل ازمات متتالية كشفت هشاشة القطاع الصحي في اغلب بلدان القارة، سواء في جانب التمويل او التكوين او البحث العلمي. المغرب، من خلال تجربته في الرقمنة، والصناعة الدوائية، وتكوين الاطر الصحية، يقدم نموذجا عمليا يمكن تقاسمه، خصوصا بعد نجاح مبادرات تصنيع اللقاحات والتوجه نحو امن صحي مستقل.

ثالثا، يبرز محور السياحة العلاجية كاحد المجالات الواعدة في الاقتصاد الافريقي. فالقارة، رغم توفرها على موارد طبيعية وبشرية معتبرة، لا تزال خارج المنافسة العالمية في هذا القطاع، بينما تتجه شرائح واسعة من مواطنيها الى دول خارج المنطقة طلبا للعلاج. القمة تطرح سؤال: هل يمكن لافريقيا ان تستعيد جزءا من هذه الحركة؟ المغرب يراهن على ذلك، من خلال تطوير بنية صحية تجمع بين الجودة وتنافسية الاسعار، بما يجعل المملكة نقطة جذب للمرضى الافارقة، خاصة في مجالات جراحة العظام، القلب، والعلاجات المتقدمة.

رابعا، البعد السياسي للقمة لا يمكن اغفاله. فالمغرب يواصل تعزيز شراكاته الافريقية عبر مقاربة تعتمد الاستثمار في الصحة والتعليم والتكوين، وليس فقط الاقتصاد التقليدي. جامعة محمد السادس للعلوم والصحة، باعتبارها مؤسسة رائدة، تقدم نموذجا للتعاون الافريقي الافريقي الذي ينطلق من المعرفة والبحث العلمي، وهي رسالة تعزز مكانة الرباط كشريك موثوق تتقاطع معه مصالح عشرات الدول.

باختصار، القمة ليست مجرد ملتقى تقني، بل محطة لتثبيت رؤية تضع الصحة والبحث العلمي والسياحة العلاجية في قلب التنمية الافريقية. وهي ايضا اعلان واضح بان المغرب يواصل لعب دور الوسيط والفاعل الاقليمي، عبر بوابة الداخلة، في اعادة هندسة مستقبل الخدمات الصحية بالقارة.

Exit mobile version