Site icon جريدة صفرو بريس

الشرطة المغربية بين التحديث الأمني وتحديات الثقة المجتمعية

تشهد المؤسسة الأمنية المغربية خلال السنوات الأخيرة دينامية إصلاحية واضحة، تعكس إرادة الدولة في تحديث أجهزتها وتطوير آليات عملها بما يتلاءم مع متطلبات العصر. فقد تم اعتماد مقاربات جديدة في التدبير الأمني ترتكز على تحديث التجهيزات، استعمال التكنولوجيات الحديثة، وتوسيع برامج التكوين المستمر لفائدة رجال ونساء الأمن. هذه التحولات تهدف إلى جعل الشرطة أكثر قربا من المواطن وأكثر قدرة على مواجهة التحديات الأمنية المتنامية.

إحدى الركائز الأساسية لهذا التحديث تتمثل في تعزيز الحكامة الأمنية القائمة على الشفافية والمساءلة. فالإدارة العامة للأمن الوطني حرصت على تكريس مبادئ الانفتاح والتواصل مع الرأي العام، من خلال إصدار بلاغات دقيقة وفورية حول الأحداث الكبرى، واعتماد سياسة الأبواب المفتوحة لتعريف المواطنين بمهام وأدوار جهاز الأمن. هذه المقاربة ساهمت في بناء صورة إيجابية تعزز الثقة المجتمعية وتبدد الكثير من الأحكام المسبقة.

كما أولت الدولة أهمية كبيرة لتقوية البعد الحقوقي في الممارسة الأمنية، عبر تكوين العناصر الأمنية على احترام القانون وصون كرامة الأفراد، وهو ما يعكس التوجه نحو شرطة مواطنة ترى في خدمة المواطن جوهر وجودها. ولا يخفى أن هذا البعد الحقوقي يشكل أساسا لتعزيز علاقة الثقة بين المجتمع وجهاز الشرطة، ويؤكد أن الأمن لا ينفصل عن حقوق الإنسان بل يندمج فيها.

إلى جانب ذلك، لعب التحديث التكنولوجي دورا محوريا في تحسين الأداء الأمني، من خلال إدخال أنظمة المراقبة الذكية، الاعتماد على قواعد بيانات رقمية متطورة، وتبني وسائل حديثة للتدخل السريع. هذه الآليات مكنت من رفع مستوى الاستجابة الأمنية والوقاية من المخاطر، وهو ما يشعر المواطن بالاطمئنان والثقة في قدرة جهاز الشرطة على حمايته.

غير أن هذا المسار الإصلاحي يواجه تحديات حقيقية، أبرزها ضرورة مأسسة قنوات التواصل مع المجتمع بشكل أوسع، والتصدي لأي مظاهر قد تضعف الثقة، مثل بعض التجاوزات الفردية التي قد تسيء إلى صورة المؤسسة. التعامل مع هذه الحالات بحزم وشفافية يبقى شرطا أساسيا لترسيخ الثقة وترجمة الإصلاحات إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع.

في المحصلة، فإن التحديث الأمني الذي تعرفه الشرطة المغربية ليس مجرد تطوير تقني أو إداري، بل هو مسار شامل يروم بناء علاقة جديدة بين المواطن ورجل الأمن، أساسها الاحترام المتبادل والثقة المتبادلة. هذه الدينامية تعكس رؤية واضحة مفادها أن الأمن الحديث لا يقتصر على حماية النظام العام، بل يتجسد في ضمان الطمأنينة للمواطنين وتعزيز شعورهم بالانتماء لمجتمع آمن ومتضامن.

Exit mobile version