Site icon جريدة صفرو بريس

الدكتور عبدالعالي بنلياس يكتب : "المنظومة القانونية المنظمة لمحاربة الأمراض المعدية و الوبائية بالمغرب"

منذ البلاغ الأول لوزارة الداخلية الذي أعلنت فيه عن حالة الطوارئ الصحية ،والذي وضع مجموعة من القيود على حرية تنقل الأفراد، وحدد الحالات التي يمكن فيها للمواطن الخروج من بيته وهي العمل واقتناء المشتريات الضرورية للعيش أو التنقل لشراء الأدوية من الصيدليات أو تلقي العلاجات، واشترطت للقيام بهذه التنقلات باستصدار وثيقة رسمية لدى رجال وأعوان السلطة. طرح السؤال حول الأساس القانوني لهذه الإجراءات التي تحد من حرية الأفراد المكفولة بمقتضى الدستور والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، خصوصا أننا لم نكن نتوفر في المنظومة القانونية الوطنية على قانون الطوارئ كما هو موجود في عدد من البلدان الديمقراطية  كفرنسا الذي يعود إلى سنة 1955، ، وفي الدول غير الديمقراطية كسوريا الذي يعود تاريخه لسنة 1962، ومصر الذي يعود تاريخه لسنة 1958

حيث كان كل ما هو قائم في نظامنا القانوني لتدبير الأزمات المختلفة هي حالة الاستثناء التي يعلنها الملك وذلك في حاليتين، حالة ما إذا كانت حوزة التراب الوطني مهددة، أو إذا ما وقع من الأحداث ما يمكن أن يمس بالسير العادي للمؤسسات الدستورية.  وحالة الحصار التي تعلن بظهير شريف بعد التداول بشأنها في مجلس الوزراء وتوقع بالعطف من طرف رئيس الحكومة ولا يمكن تمديدها لأكثر من شهر إلا بموافقة البرلمان. خارج هذه المقتضيات الدستورية لا نجد في منظومتنا القانونية ما يمكن الاستناد عليه لإعلان حالة الطوارئ الصحية أو غيرها.

ورغم ذلك نجد، بعض النصوص القانونية التي تتناول كيفية التعاطي مع بعض الأمراض والأوبئة، دون أن تصل إلى الحد من حرية الأفراد وتنقلاتهم، وبعض الأحكام العامة في المرسوم المنظم لوزارة الداخلية، والقانون المنظم لاختصاصات العمال، ثم قانون الإطار المتعلق بالمنظومة الصحية.

أولا- المرسوم الملكي المتعلق  بوجوب التصريح ببعض الأمراض واتخاذ تدابير وقائية للقضاء عليها

المرسوم الملكي بمثابة قانون بتاريخ 26 يونيو 1967 التعلق بوجوب التصريح ببعض الأمراض واتخاذ تدابير وقائية للقضاء على هذه الأمراض، لا يتناول حالة الطوارئ الصحية، بل يحدد كيفية التعامل مع بعض الأمراض التي يجري عليها الحجر الصحي والأمراض ذات الصبغة الاجتماعية والأمراض المعدية أو الوبائية الموضوعة قائمتها بقرار لوزير الصحة، وأعطى للسلطات الطبية للعمالة أو الإقليم بالقيام بعملية تطهير الأماكن المسكونة والأثاث المستعملة من طرف كل شخص مصاب ببعض الأمراض المعدية أو على إبادة الحشرات في الأماكن والأثاث المذكورة، وأن السلطات المحلية لها فقط دور تقديم المساعدة للسلطات الطبية لتنفيذ ما جاء في المرسوم.

ثانيا: المرسوم المتعلق باختصاصات وتنظيم وزارة الداخلية

 المرسوم المتعلق باختصاصات وتنظيم وزارة الداخلية رقم 2.19.1086، الصادر في 30 يناير 2020 لم يمنح لوزارة الداخلية الحق في إعلان حالة الطوارئ الصحية، رغم أن الفقرة الثانية من المادة الأولى من هذا المرسوم أسندت لها مهمة الإدارة الترابية للمملكة والحفاظ على النظام العام والأمن العموميين ، كما أن المادة الثالثة من المرسوم المذكور قد أحدث مديرية تدبير المخاطر الطبيعية وصنفها ضمن مكونات الإدارة المركزية، وأسند لها طيقا للمادة 34 من نفس المرسوم  مهمة المساهمة بتنسيق مع القطاعات والهيئات المعنية في وضع وتنفيذ السياسة الحكومية المتعلقة بتدبير المخاطر الطبيعية والحد منها وإعداد مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية المرتبطة بها وكذا المساهمة في وضع المخططات الوطنية للوقاية من المخاطر الطبيعية وآليات المراقبة،. كما يعهد إليها بتنمية المعرفة بالمخاطر الطبيعية من خلال تجميع وتبادل واستغلال المعطيات المتعلقة برصد المخاطر. وتسهر على دعم العمالات والأقاليم في تدبير المخاطر وفق التوجهات الوطنية وعلى إعداد وتتبع تنفيذ البرنامج السنوي للحساب المرصد لأمور خصوصية “صندوق محاربة الكوارث الطبيعية.

فرغم هذا الاختصاص العام الذي تتوفر عليه وزارة الداخلية في الحفاظ على النظام العام بأبعاده المختلفة بما في ذلك المحافظة على الصحة العامة، إلا أن القيام بالإجراءات المتعلقة بتحقيق هذه الغاية لا يجب أن يحد من الحقوق والحريات التي للسلطة التشريعية وحدها الحق في منح  أمر الحد من ممارستها إلى السلطة التنفيذية والسلطات العمومية. كما أن مديرية تدبير المخاطر الطبيعية  ينصرف اختصاصها إلى الكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات والجفاف وغيرها من الظواهر التي لا دخل للإنسان فيها، ولا تشمل الأمراض والأوبئة كما حال فيروس كورنا كوفيد 19 وغيره.

ثالثا:  القانون المتعلق باختصاصات العمال                                           

تعتبر السلطات الترابية على مستوى العمالات والأقاليم الجهات الإدارية المنوط يها تنفيذ مختلف الأنظمة والقوانين والقرارات والتوجيهات التي تصدر من طرف الإدارة المركزية، وقد أناط بها ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.75.168 بتاريخ 15 فبراير 1977 وفق ما تم تعديله وتتميه مهمة  المحافظة على النظام العام في العمالة أو الإقليم، كما يجوز له استعمال القوات المساعدة وقوات الشرطة والاستعانة بالدرك الملكي والقوات المسلحة الملكية طبق الشروط المحددة في القانون

رابعا:  القانون الإطار المتعلق بالمنظومة الصحية وبعرض العلاجات.

القانون الإطار  رقم 09-34 المتعلق بالمنظومة الصحية وبعرض العلاجات بتاريخ 2 يوليو 2011، تناول عددا من المبادئ الذي يجب أن تقوم عليها المنظمة الصحية ببلدنا، وفي مقدمتها مبدأ التضامن وإشراك الساكنة في مسؤولية الوقاية والمحافظة على الصحة والمعافاة من المرض، وقد أناطت الفقرة الأخيرة من المادة الثانية من هذا القانون مسؤولية إعماله على عاتق الدولة. وأن على أعمال الدولة في مجال الصحة أن يهدف إلى الوقاية من الأخطار المهددة للصحة العامة.

هذا القانون الإطار الذي وضع خارطة الطريق للسياسات العمومية في مجال الصحة، قد رسم وأناط بمختلف القطاعات ذات العلاقة بمجال الوقاية الصحية مهمة:

– رصد ومكافحة الأخطار المهددة للصحة العامة والعوامل التي من شأنها الإضرار به

– مكافحة انتشار الأمراض المتنقلة عبر الحدود وذلك طبقا للوائح الصحية الدولية

– القيام بأعمال احترازية لحفظ الصحة ومكافحة المرض

– تنمية الأعمال المتعلقة بالإعلام والتربية والتواصل في مجال الصحة

– تنمية أعمال وآليات اليقظة والأمن الصحي

ولم يغفل قانون الإطار حق الساكنة في الإخبار بكل المخاطر التي تتهدد الصحة العامة والتدابير  والسلوكات الاحتياطية التي يتعين نهجها للوقاية منه  حسب الفقرة الثانية من المادة السابعة، كما ألزم هذا القانون المصالح الصحية  العمومية في حلة إصابة شخص بمرض منقول يشكل خطر ا وبائيا على الجماعة إخضاعه للعلاجات والتدابير الوقائية لحفظ الصحة، ويمكن أن يتخذ عند الاقتضاء نفس الإجراء إزاء الأشخاص الذي يخالطهم، من هنا فتدابير الحجر الصحي الذي تقوم به السلطات الصحية والتواصل اليومي مع الساكنة بإخبارها بالتطورات التي يعرفها وباء كورنا هي مستمدة من جهة من التزامات المغرب الدولية الواردة في اللوائح التنظيمية للمنظمة الصحة العالمية ومن قانون الإطار المتعلق بالمنظومة الصحية.

خامسا: قانون الطوارئ الصحية.

جاء مرسوم قانون رقم 292-20-2 صادر بتاريخ 23 مارس 2020 والمتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، ليحدد الدوافع  والأسباب التي يتم فيها الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية، وهي الحالة التي تكون فيها حياة الأشخاص وسلامتهم مهددة من جراء انتشار أمراض معدية أو وبائية سواء على مستوى جماعة أو إقليم أو على مستوى التراب الوطني، وحدد في نفس الجهة التي تملك حق إعلان حالة الطوارئ وهي رئيس الحكومة باقتراح  من وزارة الصحة ووزارة الداخلية، بحكم المعلومات والمعطيات الصحية التي يتوفران عليها.

إن قانون إعلان حالة الطوارئ ،منح الحكومة حق اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير  رغم جميع النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، لمواجهة هذه الظروف الاستثنائية الناجمة عن حالة الوباء وانتشار المرض الذي يهدد حياة الأشخاص وسلامتهم الصحية. كما حدد هذا القانون العقوبات المقررة في حق الأشخاص الذين يرفضون التقيد بالأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية، أو يقومون بعرقلة تنفيذها بمختلف الوسائل.

فبناء على قانون الطوارئ المشار إليه أعلاه صدر مرسوم إعلان حالة الطوارئ الصحية بكافة التراب الوطني إلى غاية 20 مارس 2020، والذي خول السلطات العمومية اتخاذ عددا من الإجراءات لمواجهة حالة انتشار وباء كورونا كوفيد 19، وهي إجراءات تحد من تنقلات الأشخاص مع تحديد الحالات التي يمكن لهم التنقل فيها، وهي حالة الخروج للعمل وحالة التبضع وحالة شراء الأدوية وحالة الاستشفاء وحالة استثنائية وهي التنقل لأسباب عائلية ملحة.

Exit mobile version