منذ سنة 1963، شرعت الجزائر في هندسة مشروع انفصالي في الصحراء المغربية، عبر صناعة وهم كيان “دولة صحراوية”، وتقديم جبهة البوليساريو كواجهة لهذا الطموح الجيوسياسي. لكن بعد عقود من التمويل، والدبلوماسية الملتوية، والمراهنات الفاشلة، يسقط القناع اليوم، لتنكشف أمام العالم خديعة دبلوماسية كبرى صاغها النظام الجزائري في مختبرات الحرب الباردة.
من الحذر إلى التورط الكامل
في البداية، دافعت الجزائر عن استمرار الوجود الإسباني بالصحراء أمام الأمم المتحدة، بحجة أن عدد السكان لا يبرر إقامة دولة. لكن مع نهاية الستينيات، تغير الخطاب: صارت الجزائر “طرفًا مهتمًا”، قبل أن تنتقل إلى تشكيل البوليساريو سنة 1973، وتحويله إلى ذراع دبلوماسية خفية، تخوض بها معركتها بالوكالة.
نيروبي 1981… الكذبة المفضوحة
في قمة منظمة الوحدة الإفريقية بنيروبي سنة 1981، تم إقحام البوليساريو خلسة كـ”مراقب”، بينما ظل وجوده غير رسمي. الدبلوماسي الفرنسي روجيه دوزير وثّق هذه المسرحية السياسية، وكتب أن الجزائر كانت تضغط وتهدد داخل الكواليس، فيما البوليساريو يتصرف كجهاز ملحق بالمخابرات الجزائرية. الأمين العام للمنظمة الإفريقية حينها إيديم كودجو قالها صراحة: “الجزائريون وزبائنهم يريدون رأسي“.
انهيار التحالف الليبي – الجزائري
شكل التقارب الليبي المغربي في 1981 ضربة قاصمة للمشروع الجزائري، حيث تخلّت ليبيا عن دعم البوليساريو بعد سنوات من التمويل والتسليح، ما ترك الجزائر وحيدة في مواجهة الحقيقة المكشوفة: كيان وهمي، بلا سيادة، وبلا عمق شعبي.
تجربة تشاد… من الاعتراف إلى القطيعة
من مفارقات الزمن أن وزير الخارجية التشادي سنة 1976، الذي حاولت الجزائر استمالته للاعتراف بـ”RASD”، هو نفسه الذي أعلن عام 2024 سحب اعتراف بلاده بهذا الكيان، بل وافتتح قنصلية عامة في الداخلة. هكذا تحوّل تشاد من حليف محتمل للجزائر إلى داعم واضح لمغربية الصحراء، في رسالة تُجسد تحول ميزان القوى إقليميًا.
الواقع اليوم: الجزائر تدفع الثمن وحدها
تُقدّر تكلفة المشروع الانفصالي بمليارات الدولارات التي أنفقتها الجزائر على مدى عقود، على التدريب والتسليح والتمويل والدعاية. لكن النتيجة؟ دولة لم توجد أبدًا، و”قضية” فقدت زخمها، و”حليف” (البوليساريو) أصبح عبئًا دبلوماسيًا، يُطالب عدد من الأصوات الغربية اليوم بتصنيفه كـتنظيم إرهابي.
وفي المقابل، تتجه دول الساحل، التي كانت بالأمس منخرطة في الحياد أو التأييد للبوليساريو، إلى محور المغرب – الأطلسي، بحثًا عن الاستقرار، والتنمية، والانفتاح البحري. أما الجزائر، فتقبع في سجن أيديولوجي صنعته بنفسها، يتغذى من أموال النفط، ويعيش على أوهام الماضي.
نهاية الوهم
لقد انتهى زمن التمويه. الجمهورية الصحراوية لم توجد قط، لكنها كلّفت كثيرًا. فبينما يبني المغرب تحالفات استراتيجية عابرة للقارات، وينسج المبادرات التنموية مع عمقه الإفريقي، يُصرّ النظام الجزائري على السباحة ضد التيار، متمسكًا بمشروع ثبت فشله، ومعزولًا عن مسار السلام والتكامل الذي تتجه نحوه إفريقيا.
لقد سقطت ورقة التوت، وبقيت الجزائر وحدها، تواجه تاريخًا من الأكاذيب… وفاتورة سياسية ثقيلة بلا مقابل.