تشهد العلاقات الجزائرية-الفرنسية تصعيدًا غير مسبوق، حيث تتبنى الجزائر “استراتيجية التوتر”، القائمة على الاستفزاز والضغط السياسي بهدف دفع فرنسا إلى اتخاذ قرارات متسرعة تؤدي إلى التصعيد الدبلوماسي. هذه المقاربة، التي يبدو أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يعتمدها، تعيد إلى الأذهان “برقية إمس” الشهيرة التي أدت إلى اندلاع الحرب الفرنسية-الألمانية عام 1870.
تصعيد إعلامي ورسائل متناقضة
في الأيام الأخيرة، أصدرت وزارة الخارجية الجزائرية عدة بيانات نارية اتسمت بلهجة حادة تجاه باريس، منتقدة زيارة رشيدة داتي، وزيرة الثقافة الفرنسية، وجيرارد لارشيه، رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي، إلى مدينة العيون بالصحراء المغربية. في هذه التصريحات، تتهم الجزائر فرنسا بـ “التواطؤ مع الاستعمار الجديد”، في إشارة إلى دعم باريس لمغربية الصحراء.
ولكن التناقض يظهر في بيانات الجزائر المتتالية، فمن جهة تندد بفرنسا لعدم إبلاغها مسبقًا عن رفض دخول مسؤول جزائري إلى أراضيها، ومن جهة أخرى، لم تقم الجزائر نفسها بإخطار الروائي بوعلام صنصال قبل اعتقاله، مما يكشف عن ازدواجية المعايير التي يتبناها النظام الجزائري.
دفع باريس إلى التصعيد
يبدو أن النظام الجزائري يسعى إلى “دفع فرنسا إلى الخطأ”، أي إجبارها على اتخاذ موقف تصعيدي، مثل إلغاء اتفاقية 1968 الخاصة بتنقل وإقامة الجزائريين في فرنسا، بحيث تظهر الجزائر في موقف الضحية أمام الرأي العام. ويبدو أن الجزائر تراهن على تجاهل الإنذارات الفرنسية المتكررة، بما في ذلك المهلة التي منحتها باريس للجزائر لإعادة بعض مواطنيها المصنفين كـ”خطرين”.
استلهام “برقية إمس”
تشبه هذه الاستراتيجية إلى حد بعيد ما قام به بسمارك، المستشار الألماني في عام 1870، عندما تلاعب ببرقية دبلوماسية لجعل فرنسا تبدو كالمعتدية، مما أدى إلى اندلاع الحرب الفرنسية-البروسية. اليوم، تحاول الجزائر استخدام تكتيك مماثل، من خلال تأجيج الرأي العام الفرنسي وإثارة الجدل الدبلوماسي، لكن دون إدراك أن هذه الاستراتيجية قد تؤدي إلى نتائج عكسية، وتضر بصورة الجزائر لدى الفرنسيين.
نهاية سياسة “الصبر الفرنسي”؟
فرنسا لم تعد تمارس سياسة “الصبر الاستراتيجي” تجاه الجزائر، حيث أبدت استعدادًا واضحًا لمراجعة كافة الاتفاقيات الثنائية، وهو ما قد يضع النظام الجزائري في موقف صعب. ومع تزايد التوترات الدبلوماسية، يبدو أن العلاقات الجزائرية-الفرنسية تتجه نحو مرحلة غير مسبوقة من التباعد والتوتر، في ظل سياسة تصعيدية قد تكون لها عواقب وخيمة على الجزائر نفسها.