لم تعد المقاربة الأمنية في المغرب رهينة منطق التدخل الظرفي أو الاستجابة الآنية للأحداث، بل أضحت تقوم على تصور استراتيجي بعيد المدى، يزاوج بين النجاعة الميدانية والتحديث المؤسساتي والانفتاح على محيطه الوطني والدولي. وفي هذا الإطار، تستعد المديرية العامة للأمن الوطني مع حلول سنة 2026 للانتقال إلى مرحلة نوعية جديدة، قوامها تثمين ما تحقق من إصلاحات، وإطلاق أوراش مبتكرة تستجيب للتحولات الأمنية والتكنولوجية المتسارعة.
الرهان الأساسي في هذه المرحلة يتمثل في ترصيد المكتسبات التي راكمتها المؤسسة خلال السنوات الأخيرة، سواء على مستوى تحديث البنيات التحتية أو تطوير الخدمات الشرطية. فالمقاربة الجديدة لا تنظر إلى الأمن باعتباره وظيفة زجرية محضة، بل كمرفق عمومي مرتبط بجودة الخدمة، وبمدى شعور المواطن بالأمان والإنصاف داخل الفضاء العام.
وعلى الصعيد الخارجي، يندرج تعزيز التعاون الأمني الدولي ضمن أولويات المرحلة المقبلة، حيث تسعى المديرية إلى توسيع شبكة شراكاتها وتبادل الخبرات مع أجهزة أمنية ومنظمات متخصصة عبر مختلف القارات. ويكتسي هذا التوجه أهمية خاصة في ظل تصاعد التهديدات المرتبطة بالإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود، ما يجعل من المغرب فاعلًا محوريًا في منظومة الأمن الإقليمي والدولي، وشريكًا موثوقًا في حفظ الاستقرار.
ميدانيًا، تعكس المشاريع المرتقبة إرادة واضحة لتقريب المرفق الأمني من المواطنين وتعزيز الانتشار الترابي المتوازن. فإحداث مقرات ومرافق شرطية جديدة، وتأهيل بنيات قائمة، لا يهدف فقط إلى تحسين ظروف العمل، بل إلى الرفع من سرعة الاستجابة وفعالية التدخل، بما يواكب التوسع العمراني والتحولات الديمغرافية التي تعرفها عدد من المدن.
وفي قلب هذا التحول، تحتل الرقمنة موقعًا استراتيجيًا ضمن رؤية الأمن الوطني. إذ يجري العمل على استكمال تنزيل منظومات معلوماتية متطورة، تُمكّن من تسريع المساطر، وتحسين تدبير المعطيات، وتعزيز التنسيق بين مختلف المصالح الأمنية. ويتم ذلك ضمن احترام صارم للإطار القانوني المؤطر لحماية المعطيات الشخصية، بما يضمن توازنًا دقيقًا بين متطلبات الأمن وصيانة الحقوق والحريات.
ولا ينفصل هذا المسار التحديثي عن البعد التواصلي، حيث يشكل تنظيم أيام الأبواب المفتوحة للأمن الوطني آلية أساسية لتعميق الانفتاح على المجتمع. وتكتسي النسخة المقبلة رمزية خاصة، لارتباطها بالذكرى السبعين لتأسيس الأمن الوطني، بما تحمله من دلالات تاريخية وفرصة لتعزيز جسور الثقة مع المواطنات والمواطنين.
أما في ما يتعلق بتأمين التظاهرات الرياضية الكبرى، فتراهن المديرية على تحويل تجربة تأمين كأس إفريقيا للأمم 2025 إلى قاعدة مرجعية لصياغة بروتوكول وطني شامل للأمن والسلامة. ويهدف هذا البروتوكول إلى رفع جاهزية المصالح الأمنية استعدادًا لاحتضان تظاهرات عالمية من حجم كأس العالم 2030، في سياق يتطلب أعلى درجات الاحتراف والتنسيق.
وعلى مستوى العنصر البشري، يتصدر التكوين المستمر واجهة الإصلاح، من خلال إدماج تخصصات جديدة مرتبطة بالذكاء الاصطناعي، ومحاربة الجريمة الرقمية، والتصدي للإرهاب السيبراني. كما يعكس الانفتاح على الشراكات الأكاديمية والبحثية توجهًا نحو بناء شرطة المعرفة، القادرة على استشراف المخاطر بدل الاكتفاء برد الفعل.
بهذا التصور الشامل، تؤكد المديرية العامة للأمن الوطني أن المرحلة المقبلة ليست امتدادًا تقنيًا لما سبق، بل انتقالًا نوعيًا نحو نموذج أمني حديث، يقوم على الحكامة، والابتكار، والقرب من المواطن، ويجعل من الأمن رافعة أساسية للاستقرار والتنمية، ومن الثقة المجتمعية أساسًا لأي نجاح مؤسساتي مستدام.
الأمن الوطني في أفق 2026: رؤية متجددة لإدارة التحول وترسيخ الثقة المجتمعية

