لا شك ان قطاعي الصحة والتعليم يشكلان لب الازمة الاجتماعية التي يعيشها المغرب اليوم، وهما السبب المباشر في انفجار موجة احتجاجات متفرقة في عدد من المدن. فقد وصل تردي الخدمات الى مستويات غير مسبوقة، حيث اصبح المواطن يواجه صعوبة في الحصول على ابسط حقوقه من علاج وتعليم لائقين، وهو ما جعل هذه القطاعات تتحول الى بؤرة غضب متصاعدة.
لكن اختزال الاحتجاجات في هذه الاسباب وحدها سيكون قراءة ناقصة للمشهد. فهناك عوامل سياسية وسلوكية ساهمت في تأجيج الشارع بنفس القدر وربما اكثر. فخطاب حزب اخنوش، المهيمن على المشهد الحكومي، اتسم في نظر كثير من المواطنين بالاستفزاز والاستخفاف والتحقير والاستغباء، حيث جرى التعامل مع الانتقادات الموجهة للسياسات الحكومية بنوع من التعالي بل الاكثر من ذلك تغيير المعطيات والاحصائيات ولعل ما صرح به والي بنك المغرب حول نسبة البطالة دليل على كذب اخنوش في تصريحاته حول هذه المعظلة.كما صرح ان المغاربة سعداء ليأتيه الجواب عن طريق انفجار هذه الاحتجاجات. هذا السلوك ترك انطباعا عاما بان المواطن مجرد رقم هامشي، بل وصل الامر الى حد وصفه في بعض الخطابات غير الرسمية بالحشرات والمزابل كما فعلت احدى برلمنيات اخنوش وكذلك تصريح مسؤلة في اكادير للمواطنين ” الي معجبو حال اخوي اكادير”، وهو ما اثار غضبا مضاعفا.
ما زاد الوضع تعقيدا هو شعور شريحة واسعة من المغاربة بان الحزب الحاكم ينظر الى الدولة باعتبارها ملكا خاصا، لا مجال فيه للمساءلة او النقاش، وكأن المغرب حكر على نخبة ضيقة تحتكر السلطة والموارد. هذه الصورة غذت الاحساس بالظلم والاقصاء، ودفعت قطاعات من الشباب الى اعتبار الاحتجاج الوسيلة الوحيدة للتعبير عن رفضهم لهذا المنطق.
اليوم لا يتعلق الامر فقط بخدمات صحية وتعليمية متدهورة، بل ايضا بكرامة جريحة وشعور بالاستصغار. لذلك فإن تهدئة الشارع لن تمر بمجرد حلول تقنية او بقرارات ترقيعية، بل تتطلب تغييرا عميقا في اسلوب الخطاب السياسي وطريقة تعامل الحكومة مع المواطنين. المطلوب هو الاعتراف بالاخطاء، تقديم وجوه جديدة تتحمل المسؤولية، واعادة بناء الثقة على اساس الكفاءة والاحترام المتبادل.
ان المغرب يقف اليوم امام لحظة فارقة: اما الاستمرار في سياسات الاستهتار والتقليل من وعي المواطنين بما سيؤدي الى مزيد من الانفجار الاجتماعي، واما الانفتاح على اصلاح سياسي حقيقي يعيد الاعتبار لكرامة المواطن قبل كل شيء.

