د.احمد درداري
لا عودة عن مغربية الصحراء ولا يمكن الرجوع الى الوراء في مسلسل إيجاد حل دائم للنزاع المفتعل كما لا يمكن للذين لهم مصلحة في استمرار النزاع ابداء الرأي في الموضوع، والمفروض تقويم مواقف الدول التي تدعي الصداقة او الشراكة أو التي لها مصالح مع المغرب و تغض الطرف عن أهميتها أو تعتبرها ملزمة من جانب واحد وإن تعارضت مع مصلحة المغرب.
هذا ولكون فرنسا العضو الدائم في مجلس الأمن فهي معنية بتوضيح موقفها، لأنها من جهة تعلم جيدا المنحى الذي رسمته قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة في ملف الصحراء المغربية وتدعم مجهودات الأمم المتحدة للتوصل الى حل نهائي عادل ودائم الذي تعبر عنه مبادرة الحكم الذاتي، التي تبناها المغرب منذ سنة 2007، باعتبارها أساسا جادا وموثوقا لحل نزاع الصحراء المغربية. ومن جهة أخرى لها مصالح كبيرة في المغرب ومتتبعة لملف الصحراء المغربية و تعمل على دعم الاتفاقيات بين المغرب والاتحاد الأوروبي في المجال الفلاحي، اضافة الى كونها أنشأت مدرستين فرنسيتين في مدينتي العيون والداخلة لتدريس وتعليم أبناء المواطنين المحليين، لذا يجب عليها توضيح موقفها من قضية الصحراء ، ذلك أنه منذ أن قدم المغرب سنة 2007 مقترحه للحكم الذاتي بالصحراء، واعتبرته فرنسا قاعدة جدية تحظى بالمصداقية يمكنها إيجاد حل نهائي متفاوض بشأنه، لاسيما مع طول مدة البحث عن حل سياسي عادل ودائم ومقبول من لدن الأطراف، تحت إشراف الأمم المتحدة، وطبقا لقرارات مجلس الأمن التي تتطلب دعم جهود المبعوث الشخصي للأمين العام. لكن الاعلان رسميا عن موقفها لم يتم بعد وهو ما يبين أن فرنسا هي رأس الأفعى في ملف انتزاع الأراضي المغربية في فترة الاستعمار الفرنسي وضمها للجزائر، وهي التي توجد من وراء توتر العلاقات بين البلدين الجارين طبقا لقاعدة فرق تسود.
ويعد تأكيد الاتحاد الأوروبي عن رغبته في تحقيق اندماج مغاربي، وتشجيع كافة الأطراف المعنية بقضية الصحراء المغربية، للتوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول من قبل الأطراف المعنية بهذا النزاع الإقليمي، و متضمنا للموقف الفرنسي المطالب والداعي كافة الأطراف الى مواصلة العمل مع المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة من أجل التقدم في البحث عن الحل الواقعي والمتسم بروح التوافق.
وعليه فان خطاب جلالة الملك بمناسبة الذكرى 69 لثورة الملك والشعب لخص التطورات و الأحداث التاريخية والسياسية التي ساهمت في بناء المغرب الحديث وعبر عن الرؤية التي تتوافق مع المصلحة العليا للمملكة، وجعل من السيادة الكاملة والتامة للمغرب على مجموع ترابه، بما في ذلك الأقاليم الجنوبية، مفتاح السياسة الخارجية للمغرب اتجاه دول المعمور وأداة لقياس صدق العلاقات، و أن دعم مخطط الحكم الذاتي بالصحراء المغربية أضحى بالنسبة للبلدان الأجنبية الشرط المبدئي لعلاقات شراكة دائمة ومتينة مع المملكة، مبرزا المثال الذي أعطته كل من الولايات المتحدة سواء في عهد الرئيس السابق أو في ظل الرئيس الحالي وكذلك مثال إسبانيا خلال الشهور الأخيرة الذي يسير في نفس الاتجاه بالاضافة الى المانيا ودول اوربية ، اخرى، وألزم فرنسا كشريك تقليدي بتوضيح موقفها من مغربية الصحراء بشكل رسمي وقطعي وحاسم ، سيرا على خطى الولايات المتحدة والدول التي اعترفت بسيادة المملكة الكاملة على أقاليمها الجنوبية من جهة ولكونها المسؤولة عن اقتطاع اراضي مغربية وضمها الى الجزائر حتى تبقى ترابا فرنسيا وابقاء الجزائر المقاطعة الادارية 19 الفرنسة، وذلك قبل أن يحسم المغرب في شراكاته مع فرنسا التي تواجه إدانة افريقية ذاهبة في اتجاه المحاسبة.
وتجدر الاشارة الى أن عهد الازدواجية في الخطاب والمواقف من طرف بلدان تقدم نفسها على أنها شريكة بشأن قضية الصحراء المغربية قد انتهى وأصبح أمرا مرفوضا. ومعلوم أن فرنسا مقبلة على تمتيع كورسيكا بنظام حكم ذاتي موسع، فكيف يمكنها الاستمرار في رفض خطوة مماثلة والاعتراف الكامل والتام بالوحدة الترابية للمغرب مهما كان تخوفها، كتأزم العلاقات مع الجزائر، أو تقديم اعتذارها للشعب الجزائري على غرار ما فعلته لشعب رواندا أو فقدان مصالح أقل من التي تلاحقها، ذلك أن التوتر بين الجزائر وفرنسا قائم ولن يتغير بسبب توضيح الموقف بشأن مغربية الصحراء، ولن يصل الى درجة الخطر لان الجزائر ليست صاحبة الارض وانما فرنسا هي التي وضعتها في مأزق الأرض لصالحها وليس لصالح الجزائر.
وتعتبر الولاية الثانية للرئيس ماكرون فرصة للإعلان عن الموقف الفرنسي الرسمي والقاضي بدعم مخطط الحكم الذاتي والاعتراف الكامل والتام بمغربية الصحراء، ومنه تغيير الوجه المبهم للعلاقات الفرنسية المغربية.
وعلى غرار الموقف الهولندي الجديد حول مغربية الصحراء الواضح والمهم والمؤثر في دول شمال أوروبا يجب على فرنسا والدول الاوربية الأخرى أن تعلن عن مواقفها المؤيدة لمخطط الحكم الذاتي.
وختاما فإن أساس النجاحات الدبلوماسية المغربية المتواصلة يرتبط بالمقاربة الجديدة للسياسة الخارجية للعهد الجديد القائمة على رؤية متجددة للمكانة التي تناسب مكانة المغرب ضمن المنتظم الأممي والتفكير باسم الشعب المغربي ومصلحته ونهج للخيار الديمقراطي الذي قطع الطريق على التجار في الوحدة الترابية حيث بدأت الانتصارات الدبلوماسية منذ عودة المغرب الى الاتحاد الافريقي. 2017 . والتي من المنتظر أن تأتي بالمزيد من المواقف المؤيدة لمغربية الصحراء في أفق طي النزاع بشكل نهائي، وهو ما يحرك اذناب الاعداء عن طريق الدفع بتغيير مواقف بعض الدول وهجوم الذباب الالكتروني الذي يلاحق رأس الدولة بالإشاعات المغرضة ومحاولة اثارة الفرقة بين العرش والشعب لكن دون جدوى، وفي دليل واضح على أن المغرب تفوق بفضل رؤية جلالة الملك التي رفعت من قيمة الشعب المغربي وحسنت من صورة المغرب. و تعد بعض التقلبات في المواقف كتصريح الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والأمن، جوزيب بوريل غير المبرر وغير القانوني و غير المرتبط بتطورات ملف الصحراء المغربية ولا بالسياق التاريخي الذي طرح فيه، ذلك أن الاستفتاء لقي رفضا من قبل الأمين العام للأمم المتحدة. وهو ما يضع السيد بوريل في مواجهة قرارات مجلس الأمن ومجهودات الأمين العام وتوجهاته وأيضا يواجه تأييد عدد كبير من الدول للمقترح المغربي. كما أن الاستفتاء المعمول به في موضوع انفصال اقليم عن دولة يركن الى دستور البلد في عملية اجراء استفتاء شعب الدولة كاملا حول مطلب الانفصال، ولا يمكن للاستفتاء أن يقتصر على من يرغبون في الانفصال وحدهم، فكندا مثلا اجرت استفتاء وطنيا حول موضوع استقلال اقليم كيبيك عن دولة كندا وكانت نسبة 51 في المائة هي التي رفضت الانفصال وبقي الاقليم تابع للدولة بقوة القانون وفرض رأي الشعب الكندي للامر الواقع وأقر الجميع بنتيجة الاستفتاء ولم يحصل أي تجاوز للقانون، في حين البولساريو كجماعة مسلحة وارهابية مدعمة من طرف الجزائر توجد خارج القانون ويقوم عناصرها بأعمال ارهابية، والهدف هو المساس بالوحدة الترابية للمغرب واثارة الفوضى.
وتصريح الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والأمن، جوزيب بوريل، بشأن قضية الصحراء المغربية، سيدفع دول الاتحاد الى الانقسام والى الاختلاف معه لأن ما قاله يبقى خارج عن مسار القضية الوطنية ولا يراعي مصالح الدول، ولا يعكس أية علاقة بالتطورات التي عرفها الملف. وهو محاولة لإقبار المجهودات الأممية والدولية والمغربية ويمس بسيادة المغرب وبمشاعر الشعب المغربي في قضيته الاولى.
كما أن تصريح بوريل مناقض للموقف الواضح الذي اتخذته الحكومة الإسبانية، والذي يعتبر مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية لحل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية. مما يبين أن التصريح قد يكون مغرض ومن ورائه مصلحة ضيقة.
وعليه فان تصريح بوريل يعبر عن جهله بالتطورات والأشواط التي قطعها الملف، والعودة الى نقطة الصفر غير ممكنة ولا هي منطقية وتمثل تجاوزا للاحترام الواجب لسيادة المغرب، وبالتالي يبقى تصريحه مجانبا للصواب وغير منطقي وغير قانوني وأن الاستفتاء الذي اقترحه المغرب كحل لمشكل الصحراء في الماضي رفضه الأمين العام للأمم المتحدة ابانه واعتبره غير قابل للتنفيذ ويستحيل أن يعطي نتيجة. إضافة الى أن التصريح يتعارض مع المواقف التي اتخذها الاتحاد الأوروبي على مدى السنوات القليلة الماضية ومع تصريحاته السابقة.
فمجلس الشراكة الاتحاد الأوروبي رحب بالجهود الجادة والموثوقة التي يبذلها المغرب في إشارة إلى مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها، وأكد السيد بوريل نفسه على نفس الموقف، وهو ما يجعل تصريحه مع ما قاله لما تقلد منصب وزير الشؤون الخارجية الإسبانية، بتاريخ 29 يناير 2020، في البيان مشترك مع نظيره المغرب، .مبرزا أنه في إطار روح التوافق قدم المغرب مبادرة الحكم الذاتي، التي تعتبرها عدة بلدان أنها ذات مصداقية وواقعية، والتي وضعها المغرب على الطاولة استجابة لدعوة رسمية من الأمين العام للأمم المتحدة إلى الأطراف من أجل اقتراح مبادرات جديدة، وذلك بعدما ثبت أن الاستفتاء غير ممكن وغير قابل للتحقيق.
ويبقى السؤال هو هل تصريحه يمثل انقلابا في موقف الاتحاد الأوروبي؟ أم هو ضرب لموقف مجلس الأمن؟ أم يعكس مساومة جديدة بعد ما تم وصف المقترح المغربي بذات المصداقية والواقعية؟.
فلاستفتاء متناقض مع مشاركة ساكنة الاقاليم الجنوبية بانتظام في الاستحقاقات الانتخابية، التشريعية والمحلية، وتمثيل المواطنين من خلال المؤسسات المنتخبة وقبولهم بالخيار الديمقراطي خصوصا مع ارتفاع نسبة المشاركة السياسية مقارنة مع باقي أقاليم المملكة.
فالصواب كان هو دعوة الاتحاد الاوربي الى الانخراط في العمل الى جانب هيئة الأمم المتحدة والأمين العام ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمات الإنسانية غير الحكومية والدعوة الى احياء اتحاد دول المغرب العربي، وتركيز الجهود لإحصاء سكان المخيمات وإنقاذ الأطفال والنساء من الاستغلال وتحرير المغاربة الصحراويين المحتجزين في مخيمات تيندوف الذين يسخرون ضد وطنهم ومعهم خليط من المرتزقة بسبب الاختلاف السياسي بين المغرب ونظام العسكر الجزائري.
وعليه يجب جمع كل الأدلة و الحقائق حول موضوع مغربية الصحراء و عرضها على أنظار دول العالم حجة امام الحكومات وتبليغها بالخطوات التي ستقوم عليا العلاقات المغربية الدولية والمعيار الذي سيحدد الشراكات بجميع أنواعها مع الدول التي ترغب في ذلك.
الدكتور احمد درداري رئيس المركز الدولي لرصد الازمات واستشراف السياسات