عرفت مدينة الدار البيضاء خلال الايام الاخيرة موجة احتجاجات اجتماعية جديدة، انخرط فيها مواطنون من مختلف الفئات، خاصة الشباب، للمطالبة بإصلاحات جوهرية في قطاعي الصحة والتعليم. هذه المطالب لم تعد خفية على أحد، فواقع المستشفيات العمومية ومعاناة الأسر مع تكاليف العلاج، إلى جانب تراجع مستوى التعليم العمومي، هي حقائق يعيشها المجتمع يوميا وتجعل من هذه الملفات أولوية وطنية بامتياز.
المحتجون أكدوا في شعاراتهم أن الصحة والتعليم ليسا مجرد خدمات إضافية، بل حقوق اساسية تكفلها القوانين الوطنية والمواثيق الدولية، ولا يمكن الاستمرار في التعامل معها بمنطق الترقيع. وقد تميزت أغلب الوقفات بالطابع السلمي والحضاري، حيث سعى المشاركون الى إيصال صوتهم بطريقة منظمة، معتمدين على أسلوب التعبير الجماعي في الشارع كوسيلة للفت الانتباه.
مع ذلك، سجل مراقبون إقدام بعض الأفراد على سد الطريق السيار، وهو سلوك يطرح اشكالية في طبيعة الوسائل المستعملة داخل الحركات الاحتجاجية. فبينما يظل حق التظاهر مكفولا ومشروعا، فإن تعطيل السير على مرفق حيوي قد يؤدي الى نتائج عكسية، إذ يعرض حياة السائقين والمواطنين للخطر، ويحول المطالب العادلة الى مشاهد فوضى قد يستغلها البعض لتشويه الحراك أو صرف النظر عن جوهره.
إن قوة أي حركة اجتماعية تكمن في قدرتها على الحفاظ على طابعها السلمي والمسؤول، لأن ذلك يمنحها شرعية أكبر في نظر الرأي العام ويجعل صوتها مسموعا لدى مؤسسات القرار. أما الأساليب التي قد تمس النظام العام أو تعرقل مصالح المواطنين، فهي تفقد الاحتجاج جزءا من مشروعيته وتفتح الباب أمام تأويلات قد لا تخدم القضية الأصلية.
الحوار يظل السبيل الأمثل لمعالجة القضايا الكبرى مثل الصحة والتعليم، لكن الحوار يحتاج الى طرفين: مجتمع يعبّر بوعي وحضارة، وسلطات تستمع وتتجاوب بشكل ملموس. وبين هذا وذاك، تبقى مسؤولية الجميع قائمة في حماية الطابع السلمي للاحتجاجات، لأن الإصلاح الحقيقي لا يتحقق بالفوضى بل بالنقاش الجاد والضغط المسؤول الذي يحظى بدعم المجتمع ككل.
في النهاية، تبقى رسالة هذه الاحتجاجات واضحة: المغاربة يريدون نظاما صحيا وتعليميا يليق بكرامتهم، ويرفضون الاستمرار في سياسات تجعل من حق أساسي امتيازا. لكن هذه الرسالة ستظل أكثر قوة ومصداقية حين يتم التعبير عنها بأشكال حضارية تحافظ على صورة المطالب وتمنع أي انزلاق قد يضعفها أو يحرفها عن مسارها.

