لا تقتصر السياحة على الماء و الخضرة و تهيئة فضاءات الاستجمام للوافدين , بل تمتد لتشمل وعي الساكنة بأبعادها الثقافية و القيمية , وبالتفاعل الإيجابي مع الزوار لترسيخ انطباع حسن يرفع مؤشر الاستقطاب . فالتخطيط للنشاط السياحي اليوم , كما نصت على ذلك المدونة العالمية لآداب السياحة , يستمد فلسفته من منظوريتخطى مقصد الراحة و الاستجمام إلى اعتبارها وسيلة متميزة للرقي على المستوى الفردي و الاجتماعي , و عنصرا لا مثيل له للتعلم و التسامح و التعرف على التنوع الثقافي و الاختلافات القائمة بين الشعوب .
من هذا المنطلق يفرض واقع السياحة بمدينة إيموزار كندر إعادة النظر في جملة من الإشكالات التي تحول دون رفع المستوى السياحي لهذا المصطاف المتميز طبيعيا على الصعيدين الجهوي و الوطني .
أول ما يُلفت الانتباه أن المعطى الجبلي لم يُدرج بعد ضمن مخطط تنموي جهوي أو محلي يؤهله لأن يصبح منتوجا سياحيا , لا مجرد حاجز طبيعي . نعم , هناك حديث عن السياحة الجبلية و ضرورة العناية بها كرافعة للتنمية , بيد أن الأهداف الاستراتيجية التي تصوغها الجهات الوصية على القطاع لا تزال أسيرة النمط التقليدي الذي يكتفي بتحسين العرض بدل رفع المستوى السياحي لمناطق متميزة طبيعية لكنها مُغيبة كمنتوج . فعلى سبيل المثال ينص الفصل الثالث من المونوغرافية الاقتصادية و الاجتماعية لجهة فاس – بولمان , و التي أشرفت على إعدادها المندوبية السامية للتخطيط في يوليوز 2012 على أن الجهة تزخر بمؤهلات سياحية ثقافية و جبلية وعلاجية قادرة على استقطاب الاستثمارات وتوفير مناصب شغل , إضافة إلى تحسين المناخ السوسيو ثقافي . كما يسجل غياب وحدات سياحية بالمراكز القروية التي تتلاءم وطبيعة المنتوج السياحي الجبلي المتوفر . إلا أننا لا نلمس أثرا عمليا لهذا الاهتمام بالسياحة الجبلية على مستوى المقترحات التي تم صوغها في إطار المخطط الجهوي للتنمية السياحية . فباستثناء الإشارة المقتضبة ل” ضايات صفرو” كمنتوج مكمل, تتركز المحاور الستة كلها حول تطوير البنيات و تحسين الخدمات لجعل مدينة فاس قبلة سياحية !
يبقى مطلب احتضان الجبل كمنتوج سياحي رهين نجاعة المقاربة الجهوية التي تم اعتمادها مؤخرا لتحسين العرض السياحي القروي في إطار برنامج “رؤية 2020” للتنمية السياحية .
أما على مستوى الجماعة المحلية فإن المادة 36 من الميثاق الجماعي تنص على أن المجلس الجماعي يقوم بجميع الأعمال الكفيلة بتحفيز و إنعاش الاقتصاد المحلي و التشغيل , عبر الإسهام في الرفع من القدرات الاقتصادية للجماعة , خاصة في مجالات الفلاحة و الصناعة و الصناعة التقليدية و السياحة .
بمعنى أن للمجلس الجماعي دوره الآكد في تنويع و تحسين العرض السياحي بإيموزار كندر , وإشراك المجتمع المدني في إعداد برامج كفيلة بتنمية الوعي البيئي لدى الساكنة . ومما ينبغي الاهتمام به في هذا الباب هو وضع خطة إعلامية محكمة للتسويق السياحي تتضمن جردا للمواقع و المسالك و المشاهد الطبيعية بمحيط إيموزار كندر , و التي ستحقق لها ريادة جهوية في أحد أهم أصناف السياحة العالمية اليوم , أقصد السياحة البيئية . كما ينبغي الاهتمام بتركيز علامات التوجيه و التشوير الخاصة بالمواقع الطبيعية في مداخل ومخارج المدينة .
وبما أن التراث البشري وما يتضمنه من تنوع في العادات و التقاليد هو عنصر مهم ضمن مواصفات المنتوج السياحي كما حددتها منظمة السياحة العالمية , فلا نغفل التنبيه بأن جزءا كبيرا من تراث المنطقة لازال غير مستكشف , ولم يحظ حتى الآن بتسويق إعلامي جيد يعزز الأثر التنموي للسياحة بهذه المحطة السياحية المميزة .
ويفرض كسب الرهان كذلك تنسيقا بين المجلس الجماعي و هيئات المجتمع المدني إضافة إلى باقي المتدخلين من القطاع لنشر و تعزيز ثقافة سياحية سواء لدى الساكنة أو الزوار , تهدف بالأساس إلى إكسابهم سلوكا سياحيا رشيدا تجاه استخدام الفضاءات الطبيعية , و تقلل من مساويء السياحة العشوائية التي تلحق أضرارا مادية و معنوية جمة بالمدينة , كما ترسخ الوعي بمسؤولية الجميع تجاه زيادة الغلة الانتاجية للسياحة خدمة للاقتصاد المحلي .
إن السياحة اليوم , إضافة إلى كونها مدخلا للتنمية الشاملة بالمدينة , أضحت حاجة ماسة في ظل التوجه العمراني الحديث الذي يقيد حركة الإنسان وحريته . فلا بديل إذن عن تقديم منتوج سياحي احترافي يجعل من إيموزار كندر قطبا سياحيا رائدا على المستويين الجهوي و الوطني .