نعود هذه المرة لفتح نافذة ” ونعترض” للإطلالة على واقعنا التعليمي من خلال جدلية ثنائية معقدة ( المهانة/ والتمرد) لنكشف عن هوى عميق في أنفسنا تجاه المهنة والواقع ، والهواية والاحتراف بهدف رسم خطوط عالم الألفة والانسجام المتجذر في النفس الإنسانية بين جميع المكونات العملية التعليمية، بشكل فني يفوق كثيرا النظر إلى المتعلم مجردا من أحاسيسه وملكاته وقدراته .وهذا يعني أولا أن التعليم صياغة للجمالية الصحيحة للإنسان ليس فقط في همومه العاطفية ،أو احتياجاته الاجتماعية ،أو أزماته النفسية ، وإنما هو يعني صياغة للتمرد الإيجابي على الواقع المتردي ،ومن ثم يكون تقييم تعليمنا مبنيا على تفعيل الإنسان( الأستاذ / التلميذ)وحضارته داخل منظومته حتى نكتشف الوجه الإيجابي الخفي والقيم الإنسانية التي تسمو إليها تفاعلات العلاقات التربوية في الخلق الإبداعي الخلاق ،ومن هنا تزداد الرؤية عمقا ،ومن خلال هذا الفهم نحاول الدخول إلى بعض النماذج المتفردة،والمعالجات المنبعثة من رحم التجربة كما ظهرت في أقسامنا مع إبراز بعض وسائل التعبير الجمالي عن هذه المعالجات.
نفتح نافذتنا لنستضيف التلميذة المتميزة والمتفردة ” يسرى البكاوي ” من الثانوية الإعدادية بنصفاربصفرو، و هي تعبر عن رؤاها الذاتية الملتهبة بأسئلة عميقة عن النفس الإنسانية في سكونها واضطرابها من خلال حوار يعيد روح الفكر إلى ذاته ، تقول في : (رحلة إلى أنا ) أو ( حديث معي).
(لو لم أكن أنا فمن أكون ؟ ، ولو كانت هذه أنا ، فلماذا بداخلي أنا تحتم علي أشياء لم تكن لترضاها أنا ؟ ، وهل توجد داخلي أنا واحدة أو هذا ما أعتقده وهناك أكثر من أنا ؟
إن الرحلة إلى أنا تفوق زيارة الكون بأسره ،رحلة إلى المجهول فما المصير ؟هل سأجد بداخلي أنا المحبة ،أنا الحسودة ، أنا الهادئة ،أو أنا الشرسة ؟ وهل سأجد الأنا الحقيقية أم أن هذه الأنا ليست سوى باب لعالم من نفسي لم أكن لأعرفه أبدا؟
عالم مجهول أفكار مبعثرة ، أحزن يتملكني أم فرح يأسرني ؟ أهذه أنا وإن كنت أنا فمن أنا ؟ وإن كنت حقا أنا فلماذا لا أشعر بأنك أنا ؟هل أنت حقيقتي أم مجرد محطة تأخذي إلى أنا ؟ .محطة الغموض ،أهذه أنا الغامضة ؟ فلماذا أشعر بأنني واضحة أو هذا مجرد خداع ما المصير ؟
بعثرة في كل مكان ، أظن أنني أقترب من نفسي ، ولكن لماذا أشعر أنني أنجرف بعيدا إلى اللا مكان كرحالة يتبع السراب ليلقى مصيره في دوامة رملية؟
توالت محطاتي وازدادت تساؤلاتي ،هل وصلت للنهاية أم هي مجرد بداية؟.وصلت للأعلى لأعلم أن مصيري هو الهاوية ، هاوية الحقيقة التي تقول إنني أنا : أحب ، أكره ، أفرح ،أحزن ،أتوتر ،أسترخي ، فلا يمكن أن أكون أنا إلا وكنت كل ما بداخلي مِن أنا).
تعليق : بمثل هذا الانفتاح الهادف والإنصات الهادئ نستطيع سبر أغوار واقعنا التعليمي للكشف عما يمور داخل أقسامنا من مواهب صاعدة إذا رصدناها بشيء من التأمل أن تصنع لنا عوالم لا حد لها من تصوراتنا وانطباعاتنا لندرك حجم التغيير الذي شوه واقعنا ، فتتغير نظرتنا لصالح التلميذ /الإنسان مع نضج علاقتنا ووعينا بحركة الحياة التعليمية المفعمة بالمشاعر والقيم النبيلة.