في مشهد مؤلم تكرّر كثيراً في أحياء الدار البيضاء الصناعية، تفاجأ صباح اليوم عمال وعاملات إحدى شركات الخياطة بالحي الصناعي البرنوصي، بإغلاق أبواب المصنع الذي قضوا فيه سنوات طويلة من حياتهم. أكثر من 35 سنة من العمل ذهبت أدراج الرياح، بعد أن وجدوا أنفسهم أمام بوابة موصدة، بلا سابق إنذار، ولا إشعار بالإفلاس أو التسريح، فقط صمت بارد وأقفال معدنية أنهت علاقة عمرها عقود بين العامل ومصدر رزقه.
العمال المصدومون عبّروا عن استيائهم من هذا السلوك الذي وصفوه بـ”الطعنة الغادرة”، إذ لم تُراع الشركة سنوات الخدمة ولا التضحيات التي قدّمها هؤلاء الرجال والنساء، الذين أفنوا شبابهم خلف ماكينات الخياطة وسط ظروف قاسية وأجور زهيدة. بعضهم اقترب من سن التقاعد دون تغطية اجتماعية كافية، وآخرون يعيلون أسرًا تعتمد كليًا على هذا الدخل البسيط.
لكن ما وقع في البرنوصي ليس حالة معزولة؛ فظاهرة إغلاق المصانع بشكل مفاجئ باتت تتوسع في عدد من المدن الصناعية المغربية، مثل عين السبع، سيدي البرنوصي، وطنجة. الأسباب تتعدد بين سوء التسيير، وضغوط السوق، وتهرب أرباب العمل من التزاماتهم القانونية، لكن الضحية تبقى واحدة: العامل البسيط الذي لا يملك سوى قوته اليومي.
في ظل هذا الواقع، يطرح السؤال نفسه: أين هي أجهزة المراقبة الاجتماعية والمفتشيات التابعة لوزارة الشغل؟ وأين تطبيق القانون الذي يفرض على المشغلين إشعار العمال وتعويضهم وفق مدونة الشغل؟ كثير من هؤلاء العمال يخرجون من المصانع كما دخلوا إليها أول مرة، بلا ضمان اجتماعي، بلا تعويض، وبلا كرامة.
إن مأساة عمال الخياطة بالبرنوصي تعكس هشاشة البنية الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها جزء كبير من الطبقة العاملة المغربية.
فالعمل لم يعد ضمانة للاستقرار، بل أصبح رهينة مزاج أرباب العمل الذين يغلقون الأبواب متى شاءوا، بينما يبقى العامل مجرد رقم يُمحى من لائحة الأجور دون أدنى مساءلة.
لقد آن الأوان لسياسات حقيقية تحمي اليد العاملة الوطنية، وتفرض على المقاولات احترام الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية.
فكرامة العامل ليست منّة، بل حقّ يضمنه الدستور ويصونه الضمير الوطني، وكل إغلاق غير مبرر هو طعنة في جسد الوطن المنتج.

