Site icon جريدة صفرو بريس

إعفاء واليَي فاس ومراكش… رسائل سياسية عميقة تتجاوز اللحظة

في سابقة من نوعها، تم في وقت متزامن إعفاء والي جهة فاس-مكناس ووالي جهة مراكش-آسفي، وهو ما أثار دهشة وتساؤلات واسعة لدى الرأي العام الوطني، خصوصًا في ظل غياب أي توضيح رسمي

لكن، بعد مرور وقت قصير، بدأت تتسرب معطيات جديدة، خصوصًا عبر صور ومقاطع فيديو توثق قيام المسؤولين المعنيين بذبح أضاحي عيد الأضحى، وإحيائهم لمظاهر العيد بشكل استعراضي، رغم أن الملك محمد السادس كان قد ألغى إقامة صلاة العيد وأوصى بعدم المبالغة في مظاهر الاحتفال، تضامنًا مع المواطنين في ظل الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة، وفي سياق ندرة رؤوس الأغنام وموجة الجفاف التي تمر بها البلاد.

هذا التناقض الصارخ بين التوجيه الملكي والممارسة الميدانية للمسؤولين المعنيين، جعل من سلوكهم فعلًا خارجًا عن الانضباط السياسي، بل وسلوكًا رمزيًا مثيرًا للقلق. إذ لا يتعلق الأمر فقط بكسر تعليمات إدارية، بل بمحاولة لتشويش الصورة التي حرصت المؤسسات الوطنية على ترسيخها وتوحيدها في هذه المرحلة الدقيقة.

انطلاقًا من هذه المعطيات، يظهر أن قرار الإعفاء لم يكن مجرد رد فعل ظرفي، بل جاء كوسيلة لإعادة ضبط إيقاع المسؤولية العمومية، وتأكيد مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، ليس فقط على المستوى الإداري، بل على المستوى السياسي والرمزي أيضًا.

هذه الإعفاءات تحمل رسائل واضحة إلى جميع المسؤولين، سواء كانوا ولاة أو عمالًا أو رؤساء مؤسسات عمومية، بضرورة الانضباط الصارم لتوجهات الدولة، ومراعاة كل الإشارات والرمزيات ذات الصلة بالوضع الوطني، مهما بدت صغيرة أو عابرة.

الرسالة الأقوى في هذا السياق، أن المحاسبة لم تعد تميز بين “رأس كبير” و”رأس صغير”، وأن السلوك الفردي غير المنسجم مع روح الدولة يمكن أن يؤدي مباشرة إلى الإعفاء، بغضّ النظر عن المنصب أو السجل المهني.

كما أن من بين مضامين هذا القرار أن المطلوب من المسؤولين اليوم ليس فقط الكفاءة التقنية، بل التمتع بالذكاء السياسي، والقدرة على قراءة السياقات العامة وفهم رمزية المرحلة. فالعهد الذي كانت فيه الأخطاء تُعالج داخل المكاتب قد ولّى، واليوم، باتت صورة واحدة أو تصرف فردي واحد كافيًا لإحداث أزمة ثقة.

إعفاء الواليين، إذن، ليس مجرد إجراء إداري، بل رسالة صريحة بأن التوجيهات الملكية ليست مجالًا للاجتهاد أو التأويل، بل أوامر سامية واجبة التطبيق، تمثل أعلى مراتب الدولة، وتشكّل مرجعية أخلاقية وسياسية يتعيّن على الجميع احترامها.

Exit mobile version