دخل المشهد المتوتر في شرق المتوسط مرحلة جديدة بعد إعلان رئيس الوزراء الإسباني إرسال سفينة عسكرية لمرافقة أسطول الصمود المتجه إلى غزة، في خطوة غير مسبوقة تحمل رسائل سياسية ورمزية قوية. القرار الإسباني لم يأت معزولا، إذ سارعت إيطاليا بدورها إلى تحريك فرقاطة حربية نحو المنطقة، مؤكدة أن مهمتها الأساسية هي حماية الأرواح وضمان وصول المساعدات الإنسانية.
الموقف الإسباني يعكس تحولا واضحا في تعاطي مدريد مع القضية الفلسطينية. فبدل الاكتفاء بالبيانات الدبلوماسية، قررت الحكومة هذه المرة الانتقال إلى الفعل عبر حضور ميداني، ما يعكس استجابة مباشرة لضغط الرأي العام الداخلي الذي ظل يطالب بموقف أكثر صرامة تجاه ما يجري في غزة. إسبانيا تسعى من خلال هذه الخطوة إلى ترسيخ صورة الدولة التي لا تكتفي بالشعارات، بل تدافع عن القانون الدولي وحق الناشطين في التنقل الآمن داخل المياه الدولية.
أما إيطاليا، فدخلت على الخط بدافع مزدوج: حماية مواطنيها المتواجدين على متن الأسطول من جهة، وحماية سمعتها الدولية من جهة ثانية. فرغم تحفظات بعض الأصوات السياسية في روما التي حذرت من مخاطر التصعيد، اختارت الحكومة إرسال فرقاطة لتكون قريبة من موقع الأحداث، مع تأكيدها أن المهمة إنسانية بالأساس وليست مواجهة عسكرية مع إسرائيل. هذا الموقف يبرز محاولة إيطاليا إيجاد توازن بين تضامنها مع المدنيين الفلسطينيين وبين التزاماتها داخل الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.
التحرك المشترك لإسبانيا وإيطاليا يضع إسرائيل أمام معادلة أكثر تعقيدا. فالهجوم على الأسطول لن يكون فقط مواجهة مع ناشطين مدنيين، بل قد يُعتبر تحديا مباشرا لدول أوروبية قررت أن تترجم دعمها السياسي إلى فعل ميداني. في المقابل، تبقى كل من مدريد وروما حذرتين من الانجرار إلى مواجهة مفتوحة، إذ أوضحتا أن وجود السفن الحربية يهدف بالدرجة الأولى إلى الإنقاذ والمرافقة لا إلى القتال.
هذا التطور يعكس بداية مرحلة جديدة في الموقف الأوروبي من القضية الفلسطينية، حيث لم تعد بعض العواصم مستعدة للوقوف على الحياد أمام تصاعد العنف في غزة. وإذا ما نجح الأسطول في بلوغ وجهته، فقد يشكل ذلك سابقة تاريخية تفتح النقاش حول دور أوروبا في حماية المبادرات الإنسانية، وتضع إسرائيل أمام اختبار صعب في تعاملها مع الشرعية الدولية والضغط المتنامي من الشارع العالمي.