أوروبا تشدد سياستها للهجرة: قرارات جديدة تعيد رسم مسار الترحيل وتثير مخاوف واسعة

اعتمد الاتحاد الأوروبي إصلاحاً جديداً في سياسة الهجرة يعيد ترتيب أولويات القارة في التعامل مع المهاجرين غير النظاميين، حيث صادق وزراء الداخلية على إجراءات أكثر صرامة تهدف إلى تسريع الترحيل وتوحيد المساطر بين دول التكتل، في قرار ينتظر دخوله حيز التنفيذ منتصف سنة 2026. ورغم أن بعض الدول عبّرت عن تحفظات، فإن المناخ السياسي الأوروبي اتجه بقوة نحو تشديد الضوابط، مدفوعاً بارتفاع الهجرة غير النظامية وصعود التيارات اليمينية في عدد من العواصم.
الإجراء الجديد يقوم على مبدأ “العودة السريعة”، أي ترحيل أي مهاجر يوجد في وضع غير قانوني، فور صدور قرار الرفض النهائي لطلب لجوئه أو انتهاء صلاحية وثائقه. ولأول مرة، يصبح قرار العودة الصادر في دولة واحدة قابلاً للتنفيذ في كل بلدان الاتحاد دون الحاجة إلى مسطرة جديدة، ما يعني أن التنقل داخل أوروبا لن يشكّل ملاذاً للهروب من الترحيل.
كما وسّع الاتحاد قائمة الدول المصنّفة “آمنة” لإعادة المهاجرين إليها، وتشمل دولاً من شمال إفريقيا وآسيا والبلقان مثل المغرب وتونس ومصر والهند وبنغلاديش وكوسوفو. هذا التصنيف يمنح سلطات الهجرة الأوروبية هامشاً أكبر لتسريع العودة، باعتبار أن مواطني هذه الدول يُنظر إليهم قانونياً كغير محتاجين للحماية الدولية إلا في حالات استثنائية واضحة.
إلى جانب ذلك، ينص الإصلاح على فرض عقوبات إدارية على الرافضين لإجراءات الترحيل، قد تشمل الغرامات أو فقدان مزايا الإقامة المؤقتة، وصولاً إلى المنع الطويل الأمد من دخول فضاء الاتحاد الأوروبي. أما بالنسبة للدول التي ترفض التعاون في استقبال المرحلين، فقد لوّح الاتحاد بإجراءات دبلوماسية واقتصادية قد تُفعَّل وفق درجة الامتناع.
هذا التحول أثار موجة من الانتقادات، خاصة من المنظمات الحقوقية التي اعتبرت أن تسريع الترحيل قد يؤدي إلى انتهاك ضمانات الحماية، خصوصاً أن تقييم الملفات سيجري تحت ضغط سياسي واضح داخل القارة. وحذّرت بعض الأطراف من احتمال الوقوع في أخطاء قد تطال أشخاصاً يعانون ظروفاً إنسانية حساسة أو يعيشون في بيئات محفوفة بالمخاطر في بلدانهم الأصلية.
أما على صعيد الدول المعنية بالترحيل، فإن القرار يطرح تحديات جديدة تتعلق بقدرتها على استقبال عشرات الآلاف من المرحلين المحتملين، وإعادة إدماجهم اجتماعياً واقتصادياً. كما أن موجة العودة القسرية قد تعمّق الهشاشة الاجتماعية لدى فئات واسعة من الشباب الذين خاضوا تجارب هجرة خطرة بحثاً عن فرصة حياة أفضل.
ولا تخفي الجاليات المغاربية والعربية في أوروبا قلقها من هذا المنعطف الحاد، إذ يخشى الكثيرون من تشديد الرقابة على الإقامات، ومن تضييق هوامش التسوية القانونية، ومن زيادة الحملات الأمنية التي قد تمسّ حتى المهاجرين الذين يعيشون منذ سنوات في وضع غير مستقر.
ورغم أن الاتحاد الأوروبي يقدم هذه الإجراءات باعتبارها إصلاحاً ضرورياً “لتحديث منظومة الهجرة ومحاربة شبكات الاتجار بالبشر”، إلا أن التطبيق الفعلي سيبقى رهيناً بقدرة الدول على التنسيق فيما بينها، ومدى تعاون البلدان الأصلية، واستحضار البعد الإنساني في عملية العودة.
في النهاية، يكشف هذا القرار عن مرحلة جديدة في علاقة أوروبا بالهجرة، مرحلة تسعى فيها القارة إلى حماية حدودها بقدر ما تسعى إلى إعادة ترتيب علاقاتها مع شركائها جنوب المتوسط. غير أن نجاح هذه المقاربة أو فشلها سيظهر فقط عندما يبدأ التنفيذ الفعلي وما سيحمله من تأثيرات على الأرض، سواء داخل أوروبا أو في الدول التي ستستقبل العائدين.




