Site icon جريدة صفرو بريس

أزمة ندرة الأدوية في المغرب : تحديات عالقة وحلول تنتظر التجسيد

أزمة ندرة الأدوية في المغرب : تحديات عالقة وحلول تنتظر التجسيد

أزمة ندرة الأدوية في المغرب : تحديات عالقة وحلول تنتظر التجسيد

أزمة ندرة الأدوية : لا تزال ندرة بعض الأدوية في المغرب تثير قلق المرضى والمهنيين الصحيين وتطرح نفسها كمعضلة صحية تستدعي تدخلاً عاجلاً. فقد شهدت الأشهر الأخيرة تحذيرات عديدة من استمرار انقطاع أدوية حيوية، ليس فقط على ألسنة المرضى والمتضررين، بل أيضاً من جانب المختصين والأطباء، وصولاً إلى البرلمان الذي أصبح يثير هذا الملف أمام السلطات المعنية.

من أبرز هذه التحذيرات ما صدر عن الجمعية المغربية لطب الأطفال، التي وجّهت رسالة إلى وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، تنبّه إلى نقص أدوية أساسية في مجال طب الأطفال، وهي أدوية قد تمثل أحياناً الخيار العلاجي الوحيد في حالات حرجة.

وتتجاوز هذه الأزمة نطاق دواء بعينه لتشمل قائمة متنوعة من العلاجات، وفق ما صرّح به محمد سلامي، نائب رئيس المكتب الوطني لجمعية “عالم الصيادلة المغاربة” (Mpharma)، لافتاً إلى أنّ هذا النقص يطاول أدوية أساسية وحيوية على مستوى التراب الوطني، بما في ذلك أدوية السكري (لاسيما الإنسولين) وأدوية ارتفاع ضغط الدم واللقاحات والمصل المضاد للكزاز، إضافة إلى أدوية مكافحة السرطان ومستحضرات للعيون ومضادات القيء وأخرى تُستخدم في التصوير الطبي، فضلاً عن بعض العقاقير النفسية.

أمام هذه الأزمة، يشير وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين طهراوي، إلى أنّ الأسباب في جزءٍ كبير منها خارج نطاق الوزارة، إذ يعزو الانقطاع إلى مشاكل في بلد المنشأ أو في وفرة المواد الأساسية الداخلة في الصناعة الدوائية، سواء بالنسبة للأدوية المستوردة أو حتى بعض البدائل المصنعة محلياً.

لكن هذه التفسيرات لا تحجب، بحسب متخصصين، وجود خلل بنيوي في تدبير المخزون الاستراتيجي للأدوية. فبالرغم من اتخاذ وزارة الصحة، في غشت 2022، قراراً يهدف إلى تأمين مخزون استراتيجي وطني من الأدوية والمنتجات الضرورية يكفي لمدة 12 شهراً، إلا أن النتائج تظل ضبابية. ولا يخفي المهنيون، وعلى رأسهم الصيادلة، استياءهم من ضعف التواصل الرسمي، ما جعلهم في مواجهة مباشرة مع المرضى في ظل غياب معطيات واضحة.

وتبرز مشكلة أخرى تتمثل في عدم إقرار “حق الاستبدال” للصيادلة، وهو الحق الذي يخوّل لهم توفير بديل دوائي جنيس (Generic) عند انقطاع الدواء الأصلي (Princeps). هذا الإجراء بات منتشراً في دول عدة، بما فيها الجارة تونس والجزائر، لكن المغرب لا يزال يفتقر إليه، الأمر الذي يزيد من حدة الأزمة ويجعل المريض في رحلة بحث مضنية عن الدواء.

من زاوية أخرى، يرى بعض المراقبين أنّ الصناعة الوطنية للأدوية قادرة على لعب دور أكبر في تجاوز الأزمة، شريطة تعزيز التشريعات والتسهيلات وإقرار حق الاستبدال، وتشجيع تصنيع الأدوية الجنيسة محلياً. لكن هذا التوجه يصطدم بعراقيل متداخلة، منها احتكار بعض الشركات العالمية لتصنيع مواد فعالة، وابتكارها أدوية جديدة تخضع للحماية الفكرية، ما يحول دون إنتاج بدائل محلية إلا بعد انقضاء فترة حماية البراءة.

ويكشف فاعلون في القطاع أن المختبرات العالمية، حين ينتهي أجل براءة اختراع منتجها، وتظهر بوادر إنتاجه محلّياً بأسعار تنافسية، تُسارع إلى خفض سعره بنحوٍ يعرقل جدوى التصنيع المحلي. هذه الحرب الخفية بين الدواء الأصلي والجنيس، تُدار في بلدان أخرى من خلال تشريعات حازمة وتدابير تحفيزية للأدوية البديلة، مع ضبط آليات تسعير تمنع “الإغراق السعري” وتحمي الاستثمار المحلي.

ومن أجل مواجهة هذه التحديات، يرى الخبراء أنّ المغرب يحتاج إلى منظومة تشجيع حقيقية للصناعة الدوائية المحلية، وقرارات جريئة من قبل وزارة الصحة للاستفادة من الحقوق المخوّلة لتجاوز عقبات اتفاقيات التبادل الحر حين يتعلق الأمر بقضايا صحة عمومية. كما أن تفعيل حق الاستبدال، وتطوير آليات التواصل الشفاف بين الوزارة والمختبرات والصيادلة، من شأنه تخفيف معاناة المرضى ووضع حد لحالة الارتياب السائدة.

في المحصلة، تظل أزمة ندرة الأدوية في المغرب اختباراً لقدرة البلاد على إدارة ملف الصحة العامة بحكمة ونجاعة. ورغم تعقّد المشهد وتعدد المتدخلين، فإنّ الأولوية ينبغي أن تبقى لصالح المريض، وأن يُترجم ذلك إلى إجراءات ملموسة تنهي فصول هذه الأزمة المتكررة وتضمن للمواطنين حقهم في ولوج آمن ومستدام للعلاج والدواء.

Exit mobile version