… ويصعد نجم الحبيب محمد ويخيب ظن المستهزئين.
إنه ويحدث بين الفينة والأخرى أن يطل علينا متنطع أو متنطعة من أصحاب الأساطير والأهواء، ولقلة علمهم وهوان قيمتهم ومركزهم يحاولون الظهور فيلجؤون لمن تتيمت القلوب بحبه، وهاجت له الخواطر، والذي قال فيه الناظم:
وأَحسنُ منكَ لم ترَ قطُّ عيني ** وَأجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النّسَاءُ
خلقتَ مبرأً منْ كلّ عيبٍ ** كأنكَ قدْ خلقتَ كما تشاءُ
صدق الناظم، إن الحديث عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم وعن سيرته لأشبه باحتساء عسل لذيذ يشفي العليل، ففي كل محطة من حياتنا نستحضر سيرته العطرة عليه أفضل الصلاة والسلام ، وفي كل خروج لمتنطع من ذوي الأفكار البائدة الزائلة يصعد نجم الحبيب محمد في الآفاق، ويعرف مصدر الوحي في الأمصار، وصدق الله القائل: “يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) ۞” سورة التوبة. ولا عجب ولا غرابة فالله الحافظ لدينه المدافع عن نبيه، قال تعالى: “إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ” سورة الحجر، الآية: 95.
إن التاريخ سجل عدة افتراءات وأقوال نابعة من الهوى في حق خير البشرية، ظلت وصمة عار في جبين أصحابها وطالها النسيان، وفي الوقت ذاته كانت فرصا لخلق زوبعة ذهنية عند عموم الناس وخاصة من غير المسلمين في البحث عن شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي بحث هؤلاء فإنهم يعتمدون المصادر ذات الخبرة والعلم سواء علماء المسلمين أو غيرهم، فيجدون إنصافا وحقيقة لم يدركوها من قبل.
ولعلي أنقل بعض شهادات غير المسلمين في حق النبي صلى الله عليه وسلم والتي كانت سببا في دخول الناس في دين الله أفواجا، دون أن أنقل عن علماء المسلمين لكونهم متشبعين بحب النبي سلفا، وأنقل من شهادات غير المسلمين ما يلي:
ما قاله المصنف ويليام إ. فيبس، WILLIAM E.PHIPPS – أستاذ الفلسفة والأديان في كلية (DAVIS & ELKINS COLLEGE) في ولاية فيرجينيا الغربية في الولايات المتَّحدة الأمريكية[في كتابه محمد ويسوع، مقارنة بين الأنبياء وتعاليمهم (ص: 2) MUGAMMAD & JESUS COMPARISON OF THE PROPHETS AND THEIR TEACHINGS
: “إنه مِن الصعب أن تجد الاحتِرامَ الذي يَستحقُّه محمد – صلى الله عليه وسلم – في الغَربِ”. وللإشارة قد أضفت صلى الله عليه وسلم لكلامه.
ونقَل فيبس عن المؤرِّخ الإسكتلندي مونتغمري وات (MONTGOMERY WATT) – أستاذ التاريخ في جامعة إدنبورغ، والمُتخصِّص بالدراسات العربية والإسلامية – قوله: “ليس أحد مِن الشخصيات التاريخية، لم يتمَّ تقديرُها وتكريمها في الغربِ كمُحمَّد – صلى الله عليه وسلم.
ويُضيف ويليام فيبس:
“وحتى لا يُعتقَد أنَّ أحدًا مِن النصارى لم يَذكُر محمدًا – صلى الله عليه وسلم – بأي خير، فإنَّ تيموتاوس النسطوري المسيحي، أسقف الكنيسة الآشورية في القرن الثامن قال: “محمد حقٌّ لكل تقدير وتكريم، محمد سلَكَ طريقَ الأنبياء؛ لأنه علَّم الناس الوحدانية، ودلَّهم على الأعمال الصالِحة، وحارَبَ الشِّرك وعبادةَ الأوثان.
لقد دلَّ محمَّد – صلى الله عليه وسلم – أتباعه على الله، وقد أظهَرَ محمد – صلى الله عليه وسلم – حماسة في مُحاربة الشِّرك بسيفه، وهو كإبراهيم – عليه السلام – فقد سمَا بقومه ورفَعهم عن عبادة الأصنام”قلاً عن كتاب: SHAH AND CALIPHBY W.YOUNGPATRIARCH (ص: 203).
وقالت الكاتبة البريطانية KAREN ARMSTRONG الدكتورة كارين آرمسترونغ في مقدمة كتابها “محمد، نبيٌّ لهذا الزمان” MOHAMMAD APROPHET FOR OUR TIME طبعة دار Harper Collins لسنة 2006. – الراهِبة السابقة، وصاحِبة الكتابات القوية في مجال مقارنة المعتقدات وتاريخِها -: “لقد قدَّم مُحمدٌ – صلى الله عليه وسلم – كونه شخصية نموذجية – قدَّم دُروسًا مُهمَّةً للبشرية، ليس للمسلمين فحسْب، بل ولأهل الغرب أيضًا.
لقد كانت حياته جهادًا، وكلمة جهاد لا يَنحصِر معناها بالحروب الدينية، بل الجِهاد من المُجالَدة (المجاهَدة)، فقد بذَل مُحمد – صلى الله عليه وسلم – جهودًا كبيرةً لإحلال السلام في جزيرة العرب التي مزَّقتها الحروب وشتَّتها الاقتِتال فيما بينها، ونحن اليوم بحاجة ماسَّةٍ لشخصيات تَحذو حذوَ مُحمدٍ صلى الله عليه وسلم.
لقد كرَّس محمدٌ – صلى الله عليه وسلم – حياته لمُحارَبة الظلم والجشَع والطُّغيان، لقد أدرك محمد – صلى الله عليه وسلم – أن الجزيرة العربية كانت على مُفترَق طرُق، وقد علم أن العادات القبليَّة لم تَعُد نافعةً كمنهَجِ حياة؛ لذلك قام محمد – صلى الله عليه وسلم – ببذلِ نفسِه وجهده لتقديم حلول وترسيخ منهجيَّة جديدة للحياة”.
وقال القسُّ الأنجليكاني كينيث كراغ KENNETH CRAAGG: “لقد كان محمد – صلى الله عليه وسلم – هذا النبيَّ، كان فريدًا ومُميزًا ولا يُمكِن تكرارُه”، ويُضيفُ قائلاً: “لقد شكَّل القرآن الكريم إشارة مُهمَّةً ودليلاً واضِحًا على كون رسالة النبي هي وحي من الله، وبلاغة القرآن الكريم العربية كانت خير دليل على أنه وحي مِن الله”
وقال صاحب موسوعة الحضارة ويل ديوارنت WILL DURANT: “إذا أردنا أن نَحكُم على العظمة بما كان للعظيم من تأثير في الناس، لقلنا: إن محمدًا كان من أعظم عظماء التاريخ، فلقد أخذ على نفسه أن يرفع المستوى الروحي والأخلاقي لشعب ألقت به حرارة الجوِّ وجدب الصحراء في دياجير الهمَجية.
لقد نجح محمد – صلى الله عليه وسلم – في تحقيق هذا الغرض نجاحًا لم يُقاربه فيه أي مُصلِح آخر في التاريخ كله، ومن النادر أن نجد إنسانًا غيره حقَّق ما كان يحلم به.
فعندما بدأ محمد – صلى الله عليه وسلم – دعوته، كانت الجزيرة العربية عبارة عن قبائل مُتناحِرة غارقة في الشرك والوثنية، ولكنه عندما مات وتركها – صلى الله عليه وسلم – كانت أمة مُتماسِكة”
يقول المؤرِّخ الأمريكي واشنجتون إيرفينغ WASHINDTON IRVING: “بالرغم من انتصارات محمد – صلى الله عليه وسلم – العسكرية، لم تُثِر هذه الانتِصارات كبرياءه أو غروره، فقد كان يُحارب من أجل الإسلام لا من أجل مصلحة شخصيَّة، وحتى في أوج مجده حافظ الرسول – صلى الله عليه وسلم – على تواضعِه وبساطته، فكان يَمنع أصحابه إذا دخل عليهم أن يقوموا له أو يُبالغوا في الترحيب به، وإن كان قد هدف إلى تكوين دولة عظيمة، فإنها كانت دولة الإسلام، وقد حكَم فيها بالعدل”
وقالت الناشطة البريطانية آني بيسانت ANNIE BESANT، في محاضرة لها ألقتْها في الهند في عام 1903م: “إنه مِن المُستحيل على مَن يدرُس سيرة وشخصية النبي العربي العظيم، ويدرس كيف كانت دعوته وكيف كانت حياته، لا يَملِك إلا أن يشعر بالتبجيل والاحترام لهذا النبي العظيم الذي كان واحدًا من أعظم وأسمى الأنبياء جميعًا.
وقد أذكر لكم في كلامي أشياء قد تبدو مألوفةً ومعروفة عند كثيرين، ولكني شخصيًّا، كلما أعدت القراءة في حياته وسيرته، تَنتابني مشاعر جديدة من الاحترام والتبجيل لهذا المُعلِّم العربي العظيم” ٍلكاتبة والناشطة الحقوقية البريطانية، رئيسة البرلمان الوطني الهندي سنة 1917، المتوفاة سنة 1933، هذا الكلام كان جزءًا من محاضرة ألقتها (ANNIE BESANT) في الهند سنة 1903.
وقال القس بوسورث سميث BOSWORTH SMITH في كتابه “محمد والمحمدية (صفحة 262)”: “لقد كان محمد من غير جيوش جرَّارة، من غير حارس شخصي، من غير قصر أو قلعة، ومن غير إيرادات مادية ثابتة من أحد، فلو حُقَّ لأي رجل أن يقول: إنه يَحكُم بحق إلهي، فهو محمد، فقد امتلك محمد القوة والسُّلطة مِن غير أسلحة أو دعم من أحد .
أما MICHAEL HART مايكل هارت – أستاذ الفلك والفيزياء وتاريخ العلوم – فقد قال في كتابه “أكثر 100 شخصية مؤثرة في التاريخ” الصفحة 3 : “إن اختياري لمحمد – صلى الله عليه وسلم – ليكون على رأس القائمة التي تضمُّ الشخصيات التي كان لها أعظم تأثير عالمي في مختلف المجالات، ربما أدهش كثيرًا من القرَّاء، وقد يكون محل سؤال لآخَرين، ولكن محمَّدًا – صلى الله عليه وسلم – كان الرجل الوحيد في التاريخ الذي استطاع أن يُحقِّق نجاحًا عاليًا على المستويين الديني والدنيوي”.
وفي حديثه عن التأثير الذي كان -ولا زال -يتمتع به محمد – صلى الله عليه وسلم – قال هارت: “لقد أسَّس محمد – صلى الله عليه وسلم – ونشر أحد أعظم الأديان في العالم، وأصبح أحد الزعماء السياسيين العظام، ففي هذه الأيام، وبعد مرور ثلاثة عشر قرنًا على وفاته، فإن تأثيره لا يزال قويًّا وعارمًا”
إن كل هذه الشهادات والمقولات لهي دليل واضح على أن أي مقولة مخالفة لها تنطلق من عداء وكره لدين الإسلام.
وأخيرا فما صرحت به أستاذة الفلسفة بالإضافة إلى أنه لا ينقص من شأن الرسول عليه السلام شيئا، سيكون دافعا للكثيرين للبحث عن الموارد المعتمدة في تشكيل تصور صحيح عن هذا الرسول الكريم.
وإنه وباعتبار الأمر قد مس بمشاعر المسلمين ومعتقداتهم وقدح في ثوابتهم الدستورية؛ وهو ما نص على تجريمه القانون الجنائي، فإن مسألة المتابعة والمحاسبة تكون واردة في حق استاذة الفلسفة، ردعا لها وسدا على من ينتهج نهجها.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل
بقلم: عبد الله منيوي