في مشهد يثير الكثير من السخرية والجدل، خرجت مناقصة جديدة تشترط على حراس الأمن الخاص التوفر على شهادة الباكالوريا كشرط أساسي للتوظيف. وكأن المطلوب من الحارس اليوم ليس فقط الوقوف لساعات طويلة أمام الأبواب تحت الشمس والمطر، بل أيضا أن يكون ملما بالرياضيات والفيزياء وآداب شكسبير.
القرار أثار غضب حراس الأمن الذين رأوا فيه إهانة صريحة لتجربتهم الطويلة التي راكموها في المؤسسات العمومية والخاصة. هؤلاء الرجال، الذين ضحوا بسنوات من أعمارهم في خدمة المرافق، وجدوا أنفسهم مهددين بالإقصاء لا لشيء سوى لأنهم لا يحملون ورقة مدرسية مختومة. فهل أصبح منع اللصوص ومواجهة المخاطر يحتاج إلى تحليل نص فلسفي أو تفكيك معادلة رياضية؟
المفارقة أن عددا من هؤلاء الحراس يملكون خبرة ميدانية تفوق العشرين سنة، يعرفون تفاصيل المرافق أكثر من مديريها، ويجيدون التعامل مع المواقف الحرجة بحس أمني لا يدرس في الأقسام. ومع ذلك، يصر أصحاب المناقصات على أن الباكالوريا صارت أهم من التجربة، وكأن الكفاءة تقاس بعدد الشواهد لا بعدد الليالي البيضاء التي قضاها الحارس مرابطا في مكان عمله.
الساخر في الأمر أن حارس الأمن الخاص، الذي بالكاد يتقاضى أجرا متواضعا لا يكفي لسد حاجيات أسرته، بات مطالبا اليوم بمستوى دراسي لم يعد شرطا حتى في بعض المهن الحرة. فبدل تحسين وضعه المادي والاجتماعي والاعتراف بدوره الحيوي، اختار البعض أن يزيد الطين بلة بوضع عراقيل جديدة أمامه.
إنها مفارقة سوداء: مهنة يراها المجتمع في أسفل السلم الاجتماعي، لكنها الآن تطلب شهادة دراسية عليا لممارستها. فهل نحن أمام خطوة للارتقاء بالمهنة فعلا، أم مجرد وسيلة لإقصاء الحراس القدامى وتعويضهم بوجوه جديدة بأجور أقل؟