في ليلة الثاني عشر من شهر نونبر2015 م، كانت عيون أغلب المغاربة ـــ وأنا واحد منهم ـــ تتابع النشرة الجوية علها تأتي بجديد لاسيما وأن الفترة فترة جفاف، بعدها مباشرة أتحفتنا قناتنا الأولى بحلقة من سلسلة ” ساعة في الجحيم ” .
الكل يتذكرعهد إدريس البصري ـ رحمه الله ـ عندما تم وَصْفُ رجال التعليم بأشباه المثقفين، وأُطلِق العنان للتنكيت على رجل التعليم؛ فهو المتسول الذي يطلب البيض والزيت … من السكان، وهو الذي يطلب من التلاميذ أن يأتوا بالبطاطس والجزر والطماطم لأن الدرس المقبل سيتناول موضوع الخضر، وهو “الكعلم”على وزن “الكولونيل” و “الكوماندار”، وهو البخيل الذي لا يصرف راتبه لشهور عديدة، وهو، وهو … كل هذا كان مقصودا ومخططا له سلفا للحط من قيمته والدوس على كرامته لا لشيء إلا لكونه عرف كيف يُخْرِج المغاربة من ظلام الجهل إلى نور العلم، وبدأوا بفضله يطالبون ببعض حقوقهم. ظننا أن هذه المرحلة انتهت مع السي إدريس، لكن للأسف ما زالت قنواتنا ” المحترمة “بين الفينة والأخرى تقوم بسحل نساء ورجال التعليم أمام مشاهديها الكرام، كما فعلت في الحلقة “ساعة في الجحيم” وهي تصور الأستاذة المشرفة على التقاعد تتشاجر مع زوجها على جهاز التحكم عن بعد والتلفاز… وكيف أنها استسلمت لرغبة الثري في إعطاء الدروس لابنه في منزله بمجرد معرفة ثمن الحصة رغم عدم قدرتها على ذلك بسبب ظروفها الصحية والعائلية، وكيف أن مهمتها في القسم تنحصر فقط في التفنن في أنواع العقاب والتعذيب.
إذا سألنا المسؤولين عن إنتاج هذه الحلقة ـــ كاتب السيناريو، المخرج، الممثلين والقناة ـــ سيكون ردهم لاشك، كرد نبيل عيوش و لبنى أبدار في شريط ” الزين اللي فيك ” : هذا واقع ولا يمكن إنكاره.
متى كان الفن نقلا وتصويرا للواقع؟ ! هذا اعتداء على تخصص المصور الفوتوغرافي والباحث السوسيولوجي والمندوبية السامية للإحصاء والتخطيط وباحثيها الميدانيين .
المبدع الفنان أيها “المبدعون” هو الذي يأتي بشيء جديد؛ ارجعوا إلى معنى كلمة “إبداع” تجدونها تعني الخلق والإنشاء؛ المهم في العمل الإبداعي، وما يحتل الصدارة ليس هو نقل وتصوير الواقع، بل الكيفية والوسيلة التي من خلالها يمكن التعبير عما يريد المبدع أو الفنان قوله، وهذا ما يضمن للعمل الفني الانتشار والخلود، فلو قال مثلا “ليوناردو دافنشي” (ينبغي التخلص من ربقة الكنيس (عوض لوحته الشهيرة “الجوكاندا” لما استطاعت هذه الجملة أن تتعدى محيطها الزمني والمكاني الضيق الذي قيلت فيه، بل الأوربيون كلهم كانوا يرددون هذه العبارة في العصور الوسطى. ولو قال الشاعر الجاهلي: “فلان كريم” عوض (فلان كثير الرماد( لما وصلتنا هذه الجملة ولما استطاعت أن تعيش حوالي خمسة عشر قرنا. إذن يبقى المهم في العمل الفني ـــ كيفما كان نوعه ـــ هو الصياغة وكيفية تقديمه للمتلقي.
أرجع وأقول: إن نتائج التعامل مع الأستاذ بهذه الطرق من التنكيت إلى التنكيل به إذ كل مرة نسمع ونرى؛ هذا أستاذ بُتِرَت يده و لولا ألطاف الله لقطعت رقبته بسيف، والجاني تلميذ، وتلك أستاذة ضُرِبت وسحلت أمام تلامذتها، والجانية ام تلميذ، وهذا مدير مؤسسة تعليمية شُجَّ رأسه وسط مؤسسته، وذاك ضابط عسكري يتحدى الإدارة ويدخل إلى قاعة الدرس متحديا الأستاذة كذلك لينهال على تلميذ بالضرب أمام زملائه.
نحن المغاربة دائما يعجبنا إعطاء أمثلة من اليابان، قبل سنتين أو ثلاث طلب أستاذ ياباني رخصة بدون أجرة لمدة سنة يجول فيها العالم، عندما تم استفساره حول هذه الرخصة كان رده: دائما أقول لتلامذتي: إذا صممت على فعل شيء فلتكن إرادتك قوية وانطلق في التنفيذ دون تردد؛ فأردت أن أكون عمليا ويكون المثال حيا وأعطيه بنفسي، فما كان من الوزارة إلا أن وافقت على الترخيص له وبأجرته كاملة معتبرين أن رحلته هاته تدخل في صميم عمله واهتمامات الوزارة.
بعد هذا المثال نتساءل جميعا؛ أمن التنكيت إلى التنكيل بالأستاذ ودوس كرامته نريد النهوض بتعليمنا؟!!! mm