Site icon جريدة صفرو بريس

مصاريف الضيافة بجهة كلميم وادنون بين ضرورات البروتوكول وهواجس تبديد المال العام: صفقة جديدة تعيد جدل الحكامة الى الواجهة

قبل اسابيع قليلة من نهاية السنة المالية، يعود الجدل مجددا الى مجلس جهة كلميم وادنون بعد اعلان طلب عروض جديد خاص بمصاريف الاطعام والاستقبال، بميزانية تناهز 2.5 مليون درهم. رقم ثقيل يعيد الى الاذهان نقاشا قديما حول حدود استعمال بند الضيافة، ومعيار الضرورة مقابل منطق البذخ الذي طبع عددا من صفقات السنوات الماضية.

الصفقة، وفق وثيقة طلب العروض رقم 134/BR/RGON/2025، تهدف ظاهريا الى توفير خدمات الاستقبال لوفود وانشطة الجهة. لكن قراءة دفتر التحملات تكشف ان الامر لا يتعلق بمجرد وجبات خفيفة او خدمات بروتوكولية محدودة، بل بلائحة واسعة تضم اطباقا فاخرة، حلويات راقية، لحوم الجمل بالبخار، كراء خيام فسيحة تتجاوز 150 مترا مربعا، وهدايا متنوعة من ملحفة ودرعية ومنتوجات محلية. وهي عناصر تجعل السؤال مشروعا حول ما اذا كانت هذه النفقات ضرورية فعلا لتسيير شؤون الجهة، ام انها تندرج ضمن منطق “الاكسسوارات السياسية” التي تلتهم اجزاء مهمة من الميزانيات دون مردودية واضحة.

الاشكال لا يرتبط بالرقم فقط، بل بالسياق ايضا. فالجهة تعيش منذ سنوات على وقع تأخرات متكررة في مشاريع تنموية، خاصة في البنيات التحتية والقطاعات الاجتماعية التي تحتاج كل درهم. وفي وقت تنتظر فيه الساكنة تحسين الخدمات الاساسية، يصعب اقناع الرأي العام بان ملايين اخرى يجب ان تصرف في الضيافة والاستقبال، حتى لو قدم ذلك في قوالب “تنشيط الديبلوماسية الترابية”.

اضف الى ذلك ان عددا من المنتخبين والفاعلين المحليين سبق ان عبروا عن تخوفهم من توسع استعمال بند “التنظيم والاستقبال” بشكل يجعل منه مصدرا لالتزامات مالية لا تخضع دائما للصرامة او للمحاسبة الدقيقة. فغياب تقييم واضح للأثر، وتكرار الصفقات المشابهة دون نشر تقارير مفصلة حول المستفيدين والعمليات المنجزة، يطرح علامات استفهام حول الحكامة المالية داخل المجلس.

وفي المقابل، تدافع بعض القيادات عن هذه النفقات باعتبارها ضرورية لتعزيز صورة الجهة، واستقبال الوفود الاجنبية والوطنية، وجلب الاستثمارات عبر اللقاءات المهيكلة. لكن حتى هذا الدفاع يظل مشروطا بتوفر معايير الشفافية، وبقدرة المجلس على تبرير الكلفة مقارنة بالنتائج.

اللحظة الحالية، مع قرب نهاية السنة المالية، تبدو حساسة. فالاعلان عن الصفقة يعطي الانطباع بسباق ضد الزمن لتصفية بنود مالية معينة، وهو امر يعيد طرح سؤال: هل نحن امام اجتهاد اداري مشروع، ام امام استغلال مرن لهامش التقدير في صرف المال العام؟ وما حدود تدخل سلطة المراقبة المالية في ضبط هذه النفقات التي تبدو، على الورق، “مشروعة”، لكنها تثير حساسية كبرى لدى المواطنين؟

في المحصلة، تكشف صفقة الاطعام والاستقبال بجهة كلميم وادنون عن خلل اكبر يتجاوز مضمونها: غياب رؤية واضحة لتدبير المال العام على المستوى الجهوي، واستمرار التداخل بين البروتوكول والوجاهة السياسية، وبين الضروري والمبالغ فيه. وهي اشكالات تجعل من الحكامة المالية ورشا مؤجلا، رغم ان واقع الجهات يؤكد ان الاصلاح لم يعد خيارا بل ضرورة ملحة تفرضها انتظارات المواطنين وندرة الموارد.

صفقة جديدة، جدل قديم، وأسئلة ما تزال تبحث عن اجوبة: كيف يمكن ضبط بروتوكول الجهات دون الانزلاق نحو البذخ؟ وكيف يمكن اقناع المواطن بجدوى هذه النفقات بينما يطالب بخدمات اساسية؟ والاهم: من يراقب فعليا فعالية هذه الصفقات وجدواها في خدمة التنمية الترابية؟

Exit mobile version