Site icon جريدة صفرو بريس

مدريد تعتمد الحكم الذاتي كحل وحيد: قراءة في التحول الاستراتيجي للموقف الاسباني

في خطوة تعكس تحولا عميقا في مقاربة مدريد لملف الصحراء المغربية، خرجت اسبانيا عقب الاجتماع الرفيع مع الرباط لتؤكد بوضوح غير مسبوق ان قرار مجلس الامن 2797، الصادر في 31 اكتوبر 2025، يثبت ان الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الخيار الوحيد المطروح على طاولة المجتمع الدولي. هذا الموقف لم يعد مجرد تعبير دبلوماسي محسوب، بل اعلان صريح بان مدريد ترى في المبادرة المغربية الاطار العملي والوحيد القادر على انهاء هذا النزاع المزمن.

منذ الرسالة الملكية في ابريل 2022، دخلت العلاقات المغربية الاسبانية مرحلة جديدة عنوانها الوضوح. التحول كان استراتيجيا، وليس مجرد مراجعة ظرفية في السياسة الخارجية لمدريد. ولذلك، عندما ترحب الحكومة الاسبانية اليوم بالقرار الاممي الجديد، فهي لا تعيد فقط تثبيت موقف قديم، بل تؤكد ان المسار الذي بدأ قبل ثلاث سنوات ترسخ واصبح جزءا من رؤية ثابتة للتحالف بين البلدين.

التحليل السياسي لهذا الموقف يكشف ان مدريد لم تعد تنظر للملف من زاوية الحياد التقليدي الذي طبع سياستها لعقود. بل اصبح تعاملها قائما على قناعة مفادها ان المبادرة المغربية هي الخيار الممكن الوحيد، في ظل فشل كل المقاربات السابقة التي ظلت تراوح مكانها داخل الامم المتحدة. الدعم الذي تقدمه اسبانيا لجهود الامين العام وللمبعوث الشخصي لا ينفصل عن هذه القناعة، بل يعكس ادراكا بان العملية السياسية الاممية اصبحت مبنية على المبادرة المغربية نفسها.

في الواقع، موقف مدريد يحمل رسائل متعددة الاتجاهات. فهو يوجه اشارة قوية الى شركاء اوروبا مفادها ان التعاطي مع ملف الصحراء لم يعد يحتمل المواقف الرمادية. كما يكرس الاعتراف المتنامي بدور المغرب كفاعل اقليمي مؤثر وصوت يحظى بالمصداقية داخل المنظمات الدولية. والاهم انه يضعف الخطاب الانفصالي الذي فقد الكثير من زخمه خلال السنوات الاخيرة، بعد ان اصبح الرهان الدولي منصبا على حل واقعي ومستدام.

وعلى مستوى اوسع، يظهر ان الدبلوماسية المغربية نجحت في تحويل تراكم سنوات من العمل الهادئ والمتواصل الى مواقف صلبة من شركاء استراتيجيين. ولم يعد الحكم الذاتي مجرد مقترح مطروح للنقاش، بل تحول الى المرجعية السياسية الوحيدة التي تستند اليها العملية الاممية، وهو ما تؤكده مواقف عواصم وازنة تتقدمها مدريد.

خلاصة المشهد تقول ان قرار اسبانيا الاخير ليس مجرد تصريح بعد اجتماع رفيع المستوى، بل محطة جديدة في مسار تثبيت الحل المغربي داخل المنظومة الدولية، ورسالة واضحة بان الاجماع حول المبادرة المغربية يتوسع ويتعمق، في وقت تتراجع فيه كل الطروحات الاخرى التي لم تعد تجد مكانا في النقاش الدولي.

Exit mobile version