حين يصرّح المسؤول التربوي برادة بأن “مشكل التعليم ممتد لأزيد من ثلاثين سنة”، ثم يضيف أن “مدارس الريادة ستحل مشاكل التلاميذ”، فإنه يعكس أحد أكبر تناقضات الخطاب الرسمي في المغرب: الاعتراف بعمق الفشل البنيوي، مقابل تقديم حلول تجميلية لا تمسّ جوهر الأعطاب.
أن يمتد خلل التعليم لعقود، فذلك أمر لم يعد محل جدل. لكن أن يُطرح مشروع محدود في نطاقه التجريبي كحل جذري، فهنا تكمن المغالطة الكبرى. فـ”مدارس الريادة”، كما تقدمها الوزارة اليوم، لا تخرج – فعليًا – عن سلسلة من المبادرات السابقة التي حملت أسماء براقة ووعودًا ضخمة، وانتهت دون أثر ملموس في نتائج التعلم أو مؤشرات المردودية.
التعليم في المغرب لا يحتاج شعارات جديدة، بل إصلاحًا شجاعًا للبنية التحتية، إعادة الاعتبار للمدرس، تخفيف الاكتظاظ، مراجعة البرامج والمناهج، وربط المدرسة بواقع المجتمع وسوق الشغل. أما تغيير اسم المدرسة، أو طلاء واجهتها، أو دمج رقمنة محدودة، فلا يعني مطلقًا أننا نؤسس لنموذج تعليمي جديد.
ثم كيف يمكن لمشروع “ريادة” – لم تُعلن له بعد ملامح قانونية واضحة أو رؤية تراكمية – أن يعالج اختلالات متجذرة منذ أزيد من ثلاثة عقود؟ هل هناك تقييم علمي مستقل يثبت نجاعة التجربة؟ هل تم إشراك الفاعلين التربويين في صياغة معايير الجودة؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه تكرارًا لأسلوب “الخطط السريعة ذات المفعول الاتصالي” أكثر من كونه مشروعًا حقيقيًا للإصلاح العميق؟
تصريحات برادة تفتح الباب لمساءلة أكبر: لماذا لا يتم أولًا الاعتراف بفشل تعاقب الاستراتيجيات؟ ولماذا يتم تحميل مشروع تجريبي محدود عبء إصلاح بأكمله؟
الجواب قد لا يكون في “مدارس الريادة”، بل في ريادة سياسية تملك الشجاعة لتغيير النموذج بالكامل، بدل إعادة تدوير أزمات قديمة بأسماء جديدة.