لازالت الكثير من القضايا التي تشغل ذهن الانسان المغربي تثير اسئلة عديدة لظواهر سلبية في المجتمع ومنها قضية المرأة التي تظهر الاسئلة المشروعة عن هذه القضية. والكلام عن حقوق المرأة وضرورة مساواتها بالرجل في كافة مجالات الحياة من خلال كتابات باحثين او باحثات حقوقيين وحقوقيات رجال ونساء، يحمل ظلم واحتقار المرأة الى الرجل فقط دون ان ينتبهوا الى ماتفعله المرأة بنفسها فهي اول من تنتهك حرية نفسها. وعندما نمعن في التاريخ القديم والحضارت العظيمة كان للمرأة دور كبير جدا , لأن المرأة كانت بقدر المسؤولية التي تتحملها , فبلغت درجة الاله في بعض الحضارات مثل ’’فينوس’’ الهة الجمال وتولت المرأة القيادة مثل كيلوباترا لدى الفراعنة وعشتار في العراق…. ومنزلة المرأة هاته لم يمنحها الرجل وانما بكفاءتها وبجهدها واصرارها على العمل والجد ورفضها كل من ينتقص من حقوقها، اضافة الى قوة الشخصية التي تتمتع بها انطلاقا من اهتمامها بالمجتمع وشؤونه ورغبتها في الاسهام في كل أشكال التغيير التي يعرفها وفق مسار موضوعي ذاتي.
لكن التساؤل يرتبط بسبب أو مصدر هذه “المعاناة” التي تعيشعا المرأة اليوم؟
وبالاستناد الى الحكمة الفرنسية التي تقول: “العقول الصغيرة تفضل المجاملة والعقول الكبيرة تفضل الصراحة “عند محاولة الإجابة عن التساؤل السابق ، نجد أنفسنا أمام مسارين مختلفين يؤسسان لاختلاف جوهري بين “العقول” الصغيرة والعقول الناضجة. فالعقول الصغيرة ذات التفكير السطحي تربط وضعية المرأة هاته ب” الرجل”، بينما العقول الناضجة ذات التحليل العميق والنظرة الثاقبة تربطها ببنية المجتمع الاقتصادية والثقافية وعلاقات الاستغلال السائدة داخلها.
فالدستور المغربي(2011) في فصله 19 ينص على تمتع الرجل والمرأة على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية……….. في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها. هذا الفصل شكل سندا للعديد من المدافعين والمهتمين بقضية المرأة لإعلان “المساواة الشاملة” وكأن المجتمع عبارة عن رقعة اختبار، يكفي فقط اقرار قانون ما حتى يتغير المجتمع وأفراده وتتغير طريقة تفكيرهم ونظرتهم للأمور. وكأننا أمام أرخميدس جديد يقفز من بينوار الحمام عاريا يصيح “أوريكا أوريكا وجدتها وجدتها”، لكن مع فارق شاسع هو أن أرخميدس الحقيقي دشن لفتح علمي أما أرخميدس الجديد فيؤسس لبؤس في التفكير. بؤس تفكير ينطلق من ضعف في تحليل وتفكيك بنية الاقتصاد وعلاقاته لكشف المتحكمين فيه كمصدر لاستغلال كاسح لا يستثني أحدا، امرة كانت أم رجلا، واستقواء في المقابل على البنية الثقافية وما تحمله داخلها نكاية في هذا الطرف أو ذاك.
والكلام هنا ليس دفاعا عن بعض أو أغلب من يعاملون المرأة باحتقار بالنظر الى عدم قدرتهم على التحرر من عادات متخلفة تنظر الى المرأة ككائن لا يعامل الا بالعصا، أو تبريرا لعادات وسلوكات كسبت “قوتها” من كثرة تداولها تختزل المرأة في الجسد والانجاب فقط….
ان حركية القانون وعلاقته بالمجتمع تقوم على التبعية. تبعية القانون لطبيعة التغيرات التي يشهدها المجتمع ليكون مواكبا لها وللتطورات المصاحبة بأبعادها المختلفة. وما نشهده اليوم هو محاولة وضع الحصان أمام العربة، نضع القانون أولا ثم نجعل المجتمع يتماشى معه؟؟؟ ان شعار المساواة المرفوع حاليا تأسيس لمنطق ريع من نوع جديد قائم على النوع، ويشكل اهانة للمرأة أكثر منه اعترافا بقدراتها. فالمرأة ليست كائنا ناقصا، لها قدرات وكفاءات ومحاولة ربط المسؤوليات المنوطة بها على منطق التمييز الإيجابي يجعل التعامل مع قضيتها كالتعامل مع كائن غير سوي يحتاج الى رعاية خاصة وعناية من نوع مختلف عن الأسوياء.
ان الدعوة لتحرير المرأة يستوجب دعوة لتحرير الرجل ايضا من ظروف القهر والاستغلال المفروض عليه من أولئك المتحكمين في دواليب البنية الاقتصادية، وكذا العمل على الرفع من مستوى الوعي لديه انطلاقا من الاهتمام بالثقافة وّ”تفكيكّ”بنية التفكيرالتقليدية التي نشأ عليها في اسرته والتي تلقاها في مجتمعه، سعيا وراء فهم أفضل لمسار التغيير الذي ننشده. لذلك فالغاية هي تحرير الانسان، الرجل والمرأةمعا، من هذه الظروف التي تحاصره وتتحكم في طريقة تفكيره، وذلك لتجاوز واقع القهر والتبعية وتغييره نحو الافضل حضاريا وقيمياً، والخروج من النظرة الضيقة المختزلة في مجرد إدانة الاخر. هذا الحل السهل، ادانة الآخر، يعبر عن رؤية تقليدية ضيقة وموروثة عصابية مريضة لاتخدم قضية تحرير المرأة، وتحول الرجل الى عدو للمرأة والمرأة عدو للرجل . صراع يستعصي معه امكانية الاستفادة من جهودهما وعدم امكانية تفاعلهما بسبب هذا الشرخ الوهمي الذي لامعنى له. وهكذا يكون تحرير المرأة وهو تحصيل حاصل، عبر تحريرللرجل، تحرير للإنسان من كل أشكال الاستغلال التي تتلبس بلبوس القدسية بأبعادها المختلفة.