تتّفق كل المجتمعات والأمم على أنها تنشد تحقيق التنمية والارتقاء بمواطنيها من أجل عيش أفضل، لكنها تختلف في المسالك والطرق ذات الأولوية الموصلة إلى تنمية شاملة. فبعضها يرى أن قوة الاقتصاد و التصنيع هي المدخل الرئيس، في حين يذهب البعض الآخر إلى أن بداية التنمية وأساسها هو الإصلاح السياسي، وبعض ثالث يعتبر نقطة الانطلاق هي مدرسة التربية والتعليم من أجل تطور حقيقي وليس موهوما. ولي وقفة هنا مع المدخل الثالث الذي يصرف اهتمامه للغايات التربوية والإصلاح الاجتماعي مستندا على أولوية إعداد مدرسة وطنية ومواطنة مواكبة للمستجدات المعرفية اعتبارا لمركزية المدرسة في إحداث تحولات فكرية تؤهل الفرد للاندماج في تنمية مستدامة.
فإذا ثبت أن مخرجات المدرسة هي جوهر مدخلات التنمية ، بما هي مشروع حضاري للمجتمع ككل، وبما هي عملية متكاملة تندرج في التصور الإسلامي ضمن مفهوم الاستخلاف والعمران وليس كظاهرة جزئية. فإن سؤالا ملحّا يثار في هذا السياق مفاده أية مدرسة جديرة بأن تكون أساسا للتنمية؟
لمّا كانت مهام المدرسة تتركّز في التربية ثم التعليم المنتج بقصد الإصلاح المتدرج للمتعلم حالا فحالا إلى أن يبلغ حد التمام والأهليةّ والقدرة على تعبئة مكتسباته وتحويلها إلى أداء إيجابي لذاته ولمجتمعه، فإن التربية بهذا المعنى تعدّ هي قاعدة النجاح لأي خطة تنموية. وبناء عليه فلا تنمية بدون تربية ولا تربية بدون تنمية.ولعل هذا التلازم هو ما يجعل من الأجدى البحث المعمّق من واقع الممارسة الميدانية على جواب السؤال الآتي: كيف يتم ربط التربية بالتنمية؟
إن المدرسة الجديرة بالإسهام الحقيقي في التنمية المنشودة هي القادرة- في تقديري- على مواجهة تحدي تخريج جيل متشبع بالكفايات العلمية والعملية متمكن من آليات التأثير في المحيط السوسيوثقافي والاقتصادي بفضل ما حصّله من داخل المدرسة من مكتسبات نظرية وعملية وقيمية.
من هذا المنطلق كثر الحديث عن ضرورة ربط المدرسة بمحيطها وكذلك عن ربط التكوين بالتشغيل وسوق الشغل. لكن وأمام ضعف هذا الترابط فإن البعض يتوجه بالإدانة إلى المدرسة ويحمّلها مسؤولية ما يعرفه المجتمع من اختلالات. إن على مستوى ضعف امتلاك الكفايات والموارد أو على مستوى تراجع القيم، وغالبا ما تكون تلك الإدانة تحت يافطة شبه انفصال المدرسة عن محيطها الاجتماعي. فإلى أي حد يمكن اعتبار المدرسة في مغرب اليوم هي المسؤولة الوحيدة عن اختلال علاقتها بمحيطها؟ وكيف يمكنها أن تكون جديرة بأن تحقق مبادئ التربية المستدامة؟ التي وردت في تقرير اللجنة الدولية القرن 21 التابعة للأمم المتحدة لسنة 1996
والذي أشار إلى أهداف التعلم وأجملها في أربعة هي : 1- تعلم لتعرف ، 2- تعلم لتعمل ، 3- تعلم لتعيش مع الآخرين ، 4- تعلم لتكون وتحقق ذاتك.
وهنا لابد من الإشارة إلى الدور الثقافي للمدرسة وبلوغ التنمية إذ ثمة علاقة وثيقة بين تنمية الثقافة من حيث هي عملية تطوير وتحديث وتفعيل وبين التنمية الثقافية التي هي جماع الأمر كله والنتيجة النهائية للمجهود الإنساني الذي يبذل في المجالات الحيوية لبناء الإنسان والمجتمع معا، وغير خاف أن هذا المبتغى لا يتم إلا من خلال ربط المدرسة بمحيطها وإدماجها فيه. وليس من شك أن هذا الربط يتوقف– على الأقل – إلى إصلاحيين متلازمين لا ينفصلان :
أولهما: إصلاح المحيط وتأهيله ليكون قادرا على أن يندمج فيه التعليم.
وثانيهما: إصلاح المدرسة بكل مكوناتها الإدارية والتربوية والهيكلية.
صحيح أن ثمة محاولات وجهود لربط المدرسة بالتنمية وانفتاحها على محيطها من خلال الكلام على التعبئة الجماعية بين الأسرة و المدرسة وخلق شراكات بين المدرسة ومختلف الفاعلين لاستعادة المدرسة لمركزيتها في بناء المجتمع واعتبار محورية المتعلم وتكريم المدرس في المنظومة التربوية…لكن إلى أي حد غيّرت تلك الجهود من الواقع في اتجاه الإصلاح المنشود ، أعني هل وضعت أسسا لتحسين جودة منتوج المدرسة لتسهم عمليا في التنمية؟ ( لأن الأعمال هنا بالأفعال وليس بالأقوال) أم أن الشعارات ستدوم مرفرفة في انتظار التفعيل و التنزيل… وستبقى المدرسة بحاجة إلى حل تنموي وإصلاح يحتاج إلى إصلاح …ونظل نردد ما ورد في تقرير المجلس الأعلى للتعليم بأن المكتسبات المحرزة هشة تستلزم المزيد من التطوير والتتبع واليقظة..و إن النهوض بالمدرسة يقترن إلى حد كبير بالتعبئة المجتمعية المستديمة بانخراط كل الفاعلين والشركاء بالتزام وثقة في المستقبل.
وبالنظر لواقع المدرسة وما تعيشه من اختلالات جعلتها في وضعية غير مريحة لا تيسر مهمتها في صنع التنمية. وبذلك يكون من اللازم البحث عن تنمية المدرسة لتكون المعادلة المطلوبة هي: “تنمية المدرسة أساس مدرسة التنمية”. وبناء عليه يمكن أن تكون المدرسة مفعمة بالحياة…مفتوحة على محيطها…ومساهمة في التنمية.