Site icon جريدة صفرو بريس

قرار مهم لإعادة التوازن للحقل الإعلامي

اتخذت الهيئة العليا للسمعي البصري قرارا بمعاقبة القناة الثانية وتغريمها بمبلغ 150 مليون سنتيم بسبب عدم احترامها لبنود ومقتضيات دفتر التحملات وتجاوز المدد والسقوف والحدود المسموح بها في بث وصلات الإشهار.
والحقيقة أن أهمية القرار لا تتمثل في قيمة مبلغ الغرامة التي قد لا تصل قيمة وصلة إشهارية واحدة أو وصلتين تبثان بالقناة الثانية في شهر رمضان وقت الذروة، بحكم أن المترتبات القانونية المتعلقة بتوقيع الجزاءات تحدد هذه الغرامات، وإنما تتمثل أهمية القرار في بعدين اثنين:
– البعد الأول، ويرتبط بوجود مؤشر علمي بقرار من هيئة دستورية على خرق القناة الثانية لدفتر التحملات الذي ينظم عمل متعهدي القطب العمومي. ومع أن الأمر يتعلق بالإشهار، وليس بقضايا أخرى كانت محط جدل كبير حول أداء القناة وخطها التحريري ومدى مراعاة الممارسة المهنية لقواعد المهنة وأخلاقها واحترام مقتضيات تعددية الرأي، فإن مجرد إقرار هذا الخرق وترتيب العقوبة عليه، في هذا الزمن، يمثل دليل إدانة لممارسة إدارة القناة الثانية وشكل تعاطيها مع دفتر التحملات.
– الثاني، ويرتبط بإشارة طمأنة إلى استعادة نوع من التوازن في العلاقات التي تحكم الفاعلين داخل الحقل الإعلامي، إذ كان من المفروض أن تقوم الهيئة العليا للسمعي البصري بالدور الذي يمنع وقوع أي توتر في العلاقة بين منتج السياسات العمومية وبين منفذ دفاتر التحملات التي تعكس مضمون هذه السياسة، وذلك بالسهر على تطبيق مقتضيات هذه الدفاتر، وإيقاع العقوبات اللازمة عند الإخلال بأي مقتضى من هذه المقتضيات، أو عدم المصادقة على بعض مقتضيات هذه الدفاتر في حالة وجود ما يبرر ذلك.
ومع أن الجدل الذي ثار حول أداء القطب العمومي، وبشكل خاص القناة الثانية، ارتبط بما هو أكبر من الإشهار، مما يرتبط بقواعد الخدمة العمومية واحترام أخلاقيات المهنة واحترام تعددية الرأي وكذا بث وصلات تمييزية تحقر المرأة وتسيء إلى صورتها، إلا أن مجرد إثبات الحضور بقرار التغريم فيما يخص الإشهار يعيد نوعا من التوازن للحقل الإعلامي، وينهي الانطباع بأن القطب العمومي يفعل ما يشاء ولا وجود لأي سلطة تردعه.
أهمية هذا القرار إذن تكمن في رمزيته، وفي تأكيده لجوهر الانتقادات التي تطال أداء متعهدي القطاع العمومي، وفي كونهم لا يأبهون بمقتضيات دفاتر التحملات، ولا يأخذون على عاتقهم حماية المشاهد المغربي في تقديمهم للخدمة العمومية، وأنهم لا يراعون وجود هيئة تراقب أداءهم وتعاقبهم في حالة الإخلال.
ثمة، انطباع بدأ يترسخ عند بعض متعهدي القطب العمومي، مفاده أن الدخول في صراع مع منتجي السياسات العمومية الإعلامية، يجعل الهيئة العليا للسمعي البصري في الزاوية، ويعطل أداءها ويمنعها من التدخل خوفا من أن يقرأ على أساس أنه اصطفاف مع هذه الجهة أو تلك، ولذلك، تسعى بعض الجهات داخل القناة الثانية إلى توسيع رقعة الزيت ومد أسباب التوتر حتى تبرر لنفسها بهذا الانطباع أن تخرق دفاتر التحملات بالطريقة التي تشاء بدون حسيب ولا رقيب.
ولذلك، فتثمين هذا القرار ضروري، ليس لأنه ينتصر لطرف على حساب طرف، ولكن لأنه في نهاية المطاف يسهر على حماية قواعد تقديم الخدمة العمومية، وحماية المشاهد المغربي، ويعيد التوازن إلى الحقل الإعلامي، ويمنع اختلاق أي مبرر لانتهاك دفاتر التحملات المنظمة للقطب العمومي.
اليوم، مطلوب من الهيئة العليا للسمعي البصري أن تمضي خطوة أخرى في اتجاه مراقبة الأداء من الزاوية التحريرية، أي زاوية احترام قواعد المهنة وأخلاقياتها والإساءة إلى صورة المرأة وحضور ثقافة التمييز والعنصرية والتحريض والمس بالثوابت الحضارية للأمة، وغيرها من المقتضيات المنصوص عليها في دفاتر التحملات، فمجرد صدور قرار بهذا الشأن معلل علميا ومن هيئة دستورية، سيعيد التوازن بالكلية إلى الحقل الإعلامي، ويطمئن الجميع بوجود قواعد حيادية في تنظيم البيئة الإعلامية في المغرب.

Exit mobile version