السياسات التعليمية بين الشعارات والواقع: هل مدارس الريادة فعلا الحل؟

أثار تصريح المديرة الجهوية للتربية والتكوين بجهة طنجة تطوان الحسيمة، وفاء شاكر، جدلا واسعا بعد حديثها عن تفوق تلميذ واحد في مدارس الريادة على ثمانين تلميذا في المدارس العادية. التصريح الذي كان الهدف منه إبراز نجاح مشروع “مدارس الريادة”، تحول إلى مادة للنقاش حول واقع التعليم وجودة التكوين بالمغرب.
ما تكشفه مثل هذه التصريحات ليس مجرد مقارنة بين مؤسسة وأخرى، بل يعكس هشاشة السياسات التعليمية التي غالبا ما تراهن على برامج ظرفية وشعارات براقة، دون معالجة العطب الحقيقي: ضعف مستوى التلاميذ في التحكم في التعلمات الأساسية كالقراءة والكتابة والرياضيات. فالمشكل أعمق من مجرد إنشاء مؤسسات تحمل اسم “الريادة”، إذ يرتبط بغياب رؤية إصلاحية شاملة تعطي الأولوية للتكوين الجيد للأساتذة، والمناهج الملائمة، والوسائل البيداغوجية الحديثة.
تصريحات شاكر التي استندت إلى نسب مئوية في المواد الأساسية، كشفت عن فوارق صارخة بين المؤسسات، لكنها في المقابل لم تجب عن السؤال الأهم: لماذا لا تستطيع المدرسة العمومية أن توفر تعليما جيدا لجميع أبنائها بشكل عادل ومتوازن؟ أليس من حق كل تلميذ أن يحظى بنفس فرص النجاح دون أن يظل مصيره رهينا بمشروع تجريبي أو بمؤسسة نموذجية محدودة العدد؟
السياسات التعليمية في المغرب عانت منذ عقود من تذبذب الإصلاحات وتعدد المخططات التي سرعان ما تتوقف عند أول منعطف. النتيجة واضحة في التقارير الدولية التي ما تزال تضع المغرب في مراتب متأخرة، وتظهر ضعف تكوين التلاميذ وعجزهم عن مجاراة المعدلات العالمية في اللغات والرياضيات.
إن اختزال الأزمة في “تجربة الريادة” قد يعطي صورة وردية مؤقتة، لكنه يخفي واقعا مقلقا: مدرسة عمومية تفتقر إلى التجهيزات، أساتذة يشتغلون في ظروف صعبة، ومناهج لا تساير حاجيات العصر. الإصلاح الحقيقي لا يكمن في التباهي بنسبة تقدم هنا أو هناك، بل في بناء سياسة تعليمية متماسكة تضع الجودة والعدالة في صلب أولوياتها.
فالتعليم ليس مجالا للتجارب المؤقتة، بل هو أساس نهضة الأمم، وما لم تتحول الشعارات إلى رؤية عملية تضمن تكافؤ الفرص لجميع المتعلمين، فإن الفوارق ستتعمق أكثر، وستظل المدرسة العمومية تنتج أجيالا بمهارات ضعيفة في زمن تتسارع فيه المعرفة.




