مول المازوط: رئيس حكومة على رأس السوق… وسوق فوق رأس الحكومة

في المغرب، السياسة لا تحتاج إلى رواية خيالية كي تصبح ساخرة؛ يكفي أن تنظر إلى وضع المحروقات، وستجد نفسك أمام قصة تجمع بين الكوميديا السوداء والاقتصاد المُحرَّر… من أي رقابة. والنجمة الرئيسية في هذا العرض ليست سوى رئيس الحكومة نفسه، الذي يجمع بين دور “البائع” ودور “المراقِب”… وبينهما يضيع المواطن مثل قطرة بنزين تبخرت قبل ما توصل للمحرك.
منذ تحرير أسعار المحروقات سنة 2015، قيل لنا: “التنافس سيزدهر، والأسعار ستنخفض، والمواطن سيستفيد”. لكن الواقع كان أكثر عبقرية: الأسعار ارتفعت، هوامش الربح تضخمت، والشركات زادت ربحاً فوق ربح… بينما المواطن يتعلم كيف يحرك سيارته بالتمني والدعاء.
والأجمل، أو بالأحرى الأكثر إثارة للسخرية، أن رئيس الحكومة الحالي يوجد في مركز محوري داخل هذه القصة. فهو من جهة يتربع على رأس السلطة التنفيذية، المفروض فيها تراقب الأسعار وتحمي القدرة الشرائية للمغاربة. ومن جهة أخرى، هو واحد من أبرز الفاعلين في سوق المحروقات… أي أنه اللاعب والحكم، وبائع التذاكر، وصاحب الملعب، وكل شيء.
هذه ليست حالة تضارب مصالح، هذه حالة اصطدام كواكب: كوكب السياسة يلفّ حول كوكب المال، وكوكب المال يدور داخل كوكب السلطة، والمواطن يدور وحده في فلك لا يعرف له بداية ولا نهاية.
عندما ترتفع الأسعار في السوق الدولية، ترتفع في المغرب بسرعة الضوء. وعندما تنخفض… تنخفض هنا بسرعة سلحفاة مصابة بالزكام، ثم يخرجون ليقولوا: “السوق محرر”. طبعا محرر، لكن محرر فقط من رقابة الدولة، بينما هو مربوط بإحكام بحبال الأرباح.
أما رئيس الحكومة “مول المازوط”، فهو يعيش دائماً في هذه المسافة المريحة بين الربح والسياسة. فإذا ارتفعت الأسعار، فالسوق هو الذي يحكم؛ وإذا انتقده الناس، فالحكومة تشتغل؛ وإذا انفجرت القدرة الشرائية، فالعوامل الدولية هي السبب. لعبة محكمة لا يخرقها سوى سؤال واحد: من يحمي المستهلك حين يكون البائع هو نفسه رئيس الحكومة؟
اليوم، المواطن المغربي يعرف جيداً اللعبة: الأسعار لا تحتاج إلى قرارات وزارية، بل إلى حركة في الأسواق العالمية تتحول بطريقة سحرية إلى فواتير منفوخة محلياً. والقدرة الشرائية؟ اختفت بهدوء مثل قطرة بنزين على الإسفلت في عزّ الصيف.
في النهاية، ما دام مول المازوط يقف على رأس الحكومة والسوق معاً، فسيظل الوضع كما هو: أرباح تصعد إلى السماء، وأسعار تسابق الريح، ومواطن يركض خلف الوعود الفارغة.
مرحباً بكم في النسخة المغربية من التحرير الاقتصادي: حيث يُحرر السوق… ويُسجن المستهلك.



