أعادت واقعة الطرد التي تعرضت لها عاملة خياطة بمدينة طنجة، عقب نشرها مقطع فيديو تشكو فيه تدني راتبها وظروف عملها، إحياء النقاش حول واقع العمال في المغرب، والفجوة العميقة بين الخطابات الرسمية والواقع الميداني داخل المعامل وفضاءات الشغل الهشة. فالعاملة التي لم يتجاوز راتبها 1070 درهماً—وهو مبلغ بالكاد يغطي إيجار غرفة متواضعة—وجدت نفسها مطرودة في يوم ممطر لمجرد أنها تجرأت على التعبير عن معاناتها اليومية، مما زاد من قسوة وضعها وألقى الضوء على الظلم الاجتماعي الذي تشهده فئات واسعة من الطبقة العاملة.
الواقعة لم تكن حادثاً معزولاً، بل حلقة في سلسلة طويلة من التجاوزات التي يعرفها قطاع النسيج وغيره من القطاعات التي تعتمد على اليد العاملة الرخيصة. فالمعامل والمصانع التي يفترض أن تلتزم بالسميك بالكاد تمنح أجوراً تكاد تقترب منه، بينما تعيش فئات عريضة—من عاملات النظافة إلى نادلات المقاهي—بأجور تتراوح بين 1000 و1500 درهم في الشهر، في ظروف يصفها الكثيرون بالمهينة وغير الإنسانية. أجور لا تكفي لتأمين الحد الأدنى من العيش الكريم، في وقت ترتفع فيه تكاليف الحياة بوتيرة أسرع من كل الوعود الحكومية.
هذه الفجوة الصارخة بين الخطاب الرسمي الذي يتحدث عن تحسين الدخل، دعم الشغل الكريم، وتوسيع الطبقة المتوسطة، وبين الواقع الذي تواجهه آلاف الأسر، تكشف حدود السياسات الاجتماعية السائدة. فبينما تتحدث الحكومة عن “الإصلاح”، يتواصل استغلال العمال في صمت، وتُستنزف قدرتهم على العيش الكريم دون حماية نقابية حقيقية أو رقابة فعلية على أصحاب العمل. ويزداد الأمر سوءاً حين يتحول التعبير عن المظالم إلى سبب مباشر للطرد، كما وقع للعاملة الطنجاوية، مما يشكل تهديداً لحرية التعبير ولحق العمال في التبليغ عن الخروقات.
وتبرز وسائل التواصل الاجتماعي اليوم كمنصة أخيرة يلجأ إليها المقهورون لفضح الممارسات غير القانونية في أماكن العمل، بعدما غابت آليات الإنصاف داخل المؤسسات، وأصبح عدد من أرباب العمل يتصرفون بمنطق لا يُعلي سوى أرباحهم ولو على حساب إنسانية العامل. لكن هذه المنصات، رغم دورها، لا يمكن أن تكون بديلاً عن سياسات عمومية تضمن الحماية الاجتماعية، وتحترم مدونة الشغل، وتوفر آليات فعالة للرقابة والردع.
إن صرخة عاملة طنجة ليست مجرد قصة فردية، بل مرآة لواقع مرّ يعيشه آلاف العمال والعاملات في مختلف المدن المغربية. واقع يكشف أن الشغل الكريم ما يزال مطلباً مؤجلاً، وأن الهوة بين الشعارات الحكومية وحياة الناس تتسع يوماً بعد يوم. وهي دعوة مفتوحة لإعادة النظر في السياسات الشغلية، وإرساء منظومة تضمن الكرامة قبل الأجر، والإنسان قبل الربح، احتراماً للمبادئ الدستورية ولأبسط شروط العدالة الاجتماعية

