في سياق الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء واحتفاء بخمسين عاما من العطاء العلمي والاكاديمي لجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، وتزامنا مع احياء ذكرى مرور خمسة عشر قرنا على المولد النبوي الشريف، تنظم شعبة التفسير والحديث واصول الفقه وشعبة الفقه والتشريع والفروع المرتبطة بهما بكلية الشريعة بفاس، وبالتعاون مع مركز بحث للقيم والدراسات المعرفية، نشاطا هاما تحت عنوان: “مركزية الاخلاق في بناء الانسان من خلال السيرة النبوية”، يلقيه فضيلة العلامة عبد الله ابي عطاء الله بن المدني، يوم السبت 15 نونبر 2025، على الساعة العاشرة صباحا بمدرج الدكتور محمد يسف بكلية الشريعة بفاس.
تأتي هذه الفعالية في وقت اصبح فيه الحديث عن الاخلاق اكثر ا لحاحا من اي وقت مضى. فالعالم اليوم يشهد تسارعا غير مسبوق في التغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، تتخلله فوضى القيم وتفكك اطر المسؤولية الفردية والجماعية، ما جعل من حسن الاخلاق حجر اساس لاعادة بناء الثقة بين الناس والمجتمعات.
السيرة النبوية، بما تحمل من دروس عملية ونماذج سلوكية متكاملة، تقدم رؤية واضحة لكيفية ترسيخ الاخلاق في حياة الانسان. فقد جاء الرسول صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، وقدم نموذجا متوازنا بين العبادة والعمل والعدل والرحمة، يربط بين الفرد والمجتمع، ويجعل القيم الاخلاقية حجر الاساس في بناء الشخصية والكيان الاجتماعي.
ما احوجنا اليوم الى مثل هذه المبادئ، اذ ان غياب الاخلاق لا يقتصر على المستوى الشخصي بل يمتد ليشمل السياسة والاقتصاد والتعليم. فالفساد، وعدم احترام القوانين، وانعدام النزاهة في مختلف المجالات، ليس الا انعكاسا لفقدان القيم الاخلاقية. ومن هنا، يصبح التركيز على مركزية الاخلاق ضرورة وطنية ومجتمعية، لا مجرد حديث نظري او احتفالية اكاديمية.
ان استعادة الاخلاق على نمط السيرة النبوية تعني تعليم الانسان كيف يكون صادقا في قوله وفعله، كيف يوازن بين حقوقه وواجباته، وكيف يسعى لتحقيق العدالة والرحمة في حياته اليومية. ومن خلال هذا النشاط، يسعى القيمون على الحدث الى تذكير المجتمع المغربي، خصوصا الاجيال الصاعدة، بان بناء الانسان لا يكتمل الا بالترسيخ الفعلي للاخلاق، التي هي اساس كل تقدم حضاري واجتماعي.
في زمن تتسارع فيه التكنولوجيا وتتعقد فيه العلاقات الدولية والاقتصادية، يظل الانسان بحاجة الى الاخلاق اكثر من اي وقت مضى. فالعلم والمعرفة بلا اخلاق يتحولان الى ادوات للهيمنة والفوضى، بينما الاخلاق تخلق مجتمع متوازنا قادرا على الصمود والتقدم والازدهار.
ان حضور هذا النشاط والتفاعل معه هو فرصة لاعادة النظر في اولوياتنا، لتذكيرنا بان بناء الانسان الحقيقي يبدأ من داخله، من قيمه واخلاقه، قبل اي بناء خارجي، وان السيرة النبوية ليست مجرد تاريخ او احداث مضت، بل خارطة طريق حية لكل من يسعى الى مجتمع اكثر عدلا ورحمة وتوازنا.

