لم تكن زيارة الغراب الحربي الروسي BOIKII إلى ميناء الجزائر مجرد حدث بروتوكولي كما حاول الإعلام الرسمي بيعه للجمهور، بل كانت حلقة جديدة في سلسلة من الاستعراضات العسكرية التي يصرّ النظام الجزائري على تقديمها كلما اشتدت عليه الأزمات الداخلية. فالتوقف الذي دام ثلاثة أيام، وما رافقه من زيارات متبادلة بين قادة البحريتين الجزائرية والروسية والتمرين البحري المشترك من نوع PASSEX، لم يكن مجرد نشاط دبلوماسي عابر، بل رسالة سياسية واضحة مفادها أن النظام ماضٍ في تعميق تحالفه مع موسكو، حتى لو بقي المواطن الجزائري يتخبط في أزمة معيشية خانقة.
المؤسف أنّ النظام الذي يفتخر بعرض عضلاته البحرية أمام سفينة روسية، عاجز عن توفير أبسط مقومات العيش لمواطنيه. فبينما تُصرف الملايين على المناورات، يقف الجزائريون يومياً أمام رفوف فارغة، يبحثون عن مواد غذائية أساسية لا يجدونها إلا بشق الأنفس، وتزداد الأسعار بشكل يجعل الحياة اليومية معركة حقيقية. ومع ذلك، يفضل النظام أن يُظهر للعالم صورة “الدولة القوية” بدل أن يبني فعلاً دولة قوية يشعر بها المواطن في صحته ومعيشته وكرامته.
زيارة BOIKII ليست زيارة عسكرية بقدر ما هي تجسيد لطبيعة نظام يعيش على التحالفات الخارجية ليعوض الشرعية المفقودة داخلياً. فبدل أن يستثمر في التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية، يواصل النظام إنفاق موارده في اتجاهات لا تهم المواطن في شيء، ويغرق إعلامه في التغني بـ”الصداقة التاريخية” مع موسكو، كمحاولة لتقديم إنجازات بديلة عن تلك التي ينتظرها الناس. لكن المواطن الذي يعيش ضغوط الحياة اليومية لم يعد يقتنع بالصور ولا بالشعارات، لأنه يراها تُستخدم لتغطية واقع اقتصادي صعب وتدبير سياسي لا يعترف بالأولويات الحقيقية.
الأكيد أن العلاقات الدولية ليست مشكلة في حد ذاتها، وكل الدول تبحث عن شركاء، لكن الإشكال يكمن في نظام يعتبر هذه الزيارات مكسباً وطنياً، بينما يترك مشكلات شعبه تتراكم دون حلول. زيارة الغراب الروسي لم تغير شيئاً في حياة الجزائريين، لكنها كشفت مرة أخرى مدى الهوة الفاصلة بين دولة تستعرض قوتها في البحر، وشعب يبحث فقط عن حياة كريمة على اليابسة.

