تطرح أزمة جائحة كورونا، التي اجتاحت العالم في الربع الأول من القرن الواحد والعشرين، أسئلة جوهرية وشائكة، مما جعل من هذه الأزمة الوبائية مجالا خصبا لدراسات مختلفة مست قطاعات حيوية وحقولا معرفية أساسية : اقتصادية واجتماعية وسياسية وعلمية ودينية وغيرها. كما وضعت موضوع القيم والديمقراطية والشفافية والرعاية الاجتماعية ومعيار التقدم والتطور على المحك خاصة في الدول التي تصنف نفسها ضمن الدول المتقدمة. وإذا كانت هذه الجائحة فيروس كورونا – فرصة لبعض الدول لإظهار عبقريتها في مواجهة الأوبئة والأزمات عبر قيم التكافل والتضامن الاجتماعيين وفي مجال التخطيط والاستراتيجية الاستباقية، خاصة في شمال إفريقيا وفي مقدمتها المغرب، فإن هذه الجائحة العالمية عملت على تعرية المنظومة الصحية والأخلاقية والتكتلات الاقتصادية والسياسية للدول المتقدمة قبل الدول الصاعدة. وانعكس ذلك على العلاقات الدولية من خلال تبادل الاتهامات بين الدول العظمى حول مصدر الوباء وطبيعته وأهدافه و تفشيه بهذه السرعة الفائقة، مما جعل من هذه الأزمة الوبائية أزمة سياسية وإعلامية بامتياز.
وسنحاول ملامسة هذه الأزمة – جائحة كورونا – من زاوية إعلامية صرفة من خلال التركيز على بعض القضايا الإعلامية التي تواكب ظهور الأزمات البشرية والطبيعية، كيفما كانت طبيعتها، وفي مقدمتها الأخبار الزائفة. وإن كان التناول الإعلامي للأزمة لا يمكن أن يتحقق بعيدا عن التأثيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغيرها.
وهكذا وجد الإعلامي نفسه أمام مجموعة من الأسئلة الكبرى والشائكة لها علاقة مباشرة بطريقة التعامل الإعلامي المهني مع الوباء الجديد، خاصة أمام شح المعلومات عن أصل الوباء وطبيعته وماهيته، وكذا تنوع الأخبار المرتبطة بجائحة كورونا، اقتصادية واجتماعية وسياسية ونفسية وغيرها، مع صعوبة ترتيب الأولويات في اختيار تلك الأخبار ونشرها. كما وجد الصحفي صعوبة كبيرة في التعامل مع الأخبار التي تنشرها وسائل التواصل الاجتماعي حول هذه الأزمة، والتي تميزت في أكثرها بعدم الدقة والتحري مما جعل المجال خصبا ومفتوحا أمام الإشاعات والأخبار الزائفة، التي تؤدي بشكل مباشر إلى إثارة البلبلة وعدم الاستقرار وتزييف وعي الأفراد والمجتمعات، كما تؤدي إلى مزيد من الاضطرابات النفسية التي لا يقل تأثيرها السلبي عن تأثير الفيروس نفسه.
1 – السياق العام لإعلام الأزمة وأخلاقيات المهنة
تندرج أخلاقيات مهنة الصحافة ضمن معادلة أساسية تتعلق بحرية الرأي والتعبير والحق في الحصول على المعلومة والولوج إلى مصادر الأخبار لبلورة رأي عام فاعل وقوي من جهة، وكذا التحلي بروح المسؤولية في معالجة مختلف القضايا الاجتماعية من خلال عدم الإخلال بالقواعد العامة والأمن العام واحترام حياة الأشخاص وكرامتهم الإنسانية من جهة أخرى.
وتستمد أخلاقيات مهنة الصحافة بالمغرب مرجعيتها وتوجهاتها العامة من القواعد الكونية العامة المرتبطة بحقوق الإنسان وفي مقدمتها حق الصحفي الطبيعي في التعبير عن آرائه وأفكاره بكل حرية ، وبكل مسؤولية وموضوعية. وإذا كانت كل القوانين الوطنية والدساتير الدولية المرتبطة تنص على ضرورة تمتيع الجسم الصحفي بالحرية في التعبير عن الرأي والحق في الحصول على المعلومة من مصادرها الأساسية المختلفة، فإنها في المقابل تضع الصحفي أمام مسؤولياته المتعددة إزاء المجتمع والمحيط الذي يعيش فيه، وفي مقدمتها احترام حق الفرد والمجتمع والرأي العام في الحصول على إعلام هادف ونزيه ومعلومة صحيحة، بعيدا عن أسلوب الإثارة والأخبار الزائفة.
ومن جهة أخرى إذا كان الميثاق الوطني لمهنة الصحافة يركز في أكثر من سياق على حرية الرأي والتعبير وضمان الكرامة المهنية، فإنه في المقابل يضعه أمام مسؤولياته القانونية والمهنية أمام حق المواطن في ممارسة تلك المهنة بكل حرفية وموضوعية، فقد نص البند الرابع المتعلق بالواجبات الأساسية في الميثاق على أنه ” لا تنشر ولا تبث ولا تذاع إلا الأخبار والوثائق والصور الموثوق بها، مع اجتناب المعطيات غير الدقيقة، وخصوصا التي من شأنها الاستخفاف بشرف الأشخاص أو المساس بالمؤسسات العمومية أو الخاصة…”
وحماية لحياة الأفراد الخاصة، أكد ميثاق الهيئة الوطنية المستقلة لأخلاقيات الصحافة وحرية التعبير، بشكل صريح في البند السابع، على ضرورة احترام الصحفي ” حق الإنسان في الكرامة والحياة الخاصة. ويتجنب البحث غير الضروري في الشؤون الخاصة للأشخاص.كما يجب تجنب القذف أو التجريح أو استعمال ألفاظ، أو رسوم،أو كاريكاتور، أو صفات تضر بالأشخاص معنويا أو ماديا.
مظاهر إعلام أزمة كورونا :
تنبغي الإشارة منذ البداية إلى أننا سنقتصر على الصحافة الإلكترونية وشبكة التواصل الاجتماعي في رصد المرض الوبائي بالمغرب، بعد صدور قرار بتعليق صدور الصحافة المكتوبة تجنبا لانتشار الفيروس بين المواطنين. ويستفاد من تتبع بعض مضامين الصحف الالكترونية و التقارير الإخبارية والتدوينات الشخصية المختلفة في وسائل التواصل الاجتماعي استخلاص مجموعة من الملاحظات الرئيسية منها :
* تعدد طرق ومناهج رصد وتغطية المرض الوبائي كورونا بالمغرب حسب أهداف الكاتب ومقصدية المتلقي، بعيدا عن العمل الصحفي الحقيقي الذي يستطيع أن يفرق تفرقة واضحة بين الصالح العام والفضول العام،بين الأهداف الشخصية الضيقة والأهداف العليا للمجتمع، مما جعل من بعض التقارير الصادرة عن بعض المواقع الإلكترونية والتدوينات الشخصية تفتقد في مجملها إلى المصداقية المطلوبة في العمل الصحفي.
* من مظاهر تلك التدوينات والأخبار المختلفة في رصد المرض الوبائي العالمي جائحة كورونا (كوفيد 19)، جنوح بعض الأفراد وخاصة في وسائل التواصل الاجتماعي إلى وضع عناوين مثيرة لا تتلاءم ومضمون تلك التقارير،من دون مراعاة الوضعية النفسية للجمهور المستهدف، وذلك من قبيل اختيار ألفاظ وعبارات ذات حمولة دلالية كبيرة للتعبير عن أخبار عادية عن انتشار الوباء في البلاد مقارنة بتفشي الوباء على المستوى العالمي، وذلك من خلال اختيار عناوين صحفية مثيرة من قبيل ” خبر عاجل من المغرب // ارتفاع مهول وخطير في عدد الإصابات بفيروس كورونا هذا اليوم “، ” إصابات كورونا تواصل الارتفاع”، ” عدد الإصابات بفيروس كورونا في ارتفاع مهول “، خطير.. مكناس تتحول إلى بؤرة فيروس كورونا بالمغرب ” وكلها عناوين مثيرة لا تعكس حقيقة تفشي الوباء بقدر ما تروم جذب أكبر عدد من القراء ، جريا وراء أهداف شخصية محضة كالربح المادي أو تحقيق شهرة زائفة أو البحث عن موقع مزعوم. وتكاد تقترب هذه الممارسات والسلوكات مما يمكن تسميته بالصحافة الصفراء التي تعتمد في أخلاقياتها على عنصر الإثارة والتشويق والفضول الفردي والجماعي.
* ومن حق المجتمع في هذه الحالة أن يقي نفسه من هذه السموم – الإثارة والتشويق – وأن يحمي ظهره من تلك الأفكار الهدامة والأخطار الفتاكة. ولهذا تنص كل قوانين الصحافة العالمية وأخلاقيات المهنة على أن الصحفي المهني الذي يستحق هذا الاسم هو الذي يستطيع أن يفرق تفرقة واضحة بين الصالح العام والفضول العام، وأن يتوخى خدمة الأول لا خدمة الثاني، والامتناع عن نشر الأخبار الزائفة، وتحري الدقة والموضوعية في نقل الأخبار ونشرها.ودرءا لتسلل مثل هذه الممارسات التي لا تمت بالعمل الصحفي بأية صلة، حدد القانون الإطار المتعلق بممارسة حرية الصحافة والنشر والطباعة في مادته الثانية الصحافة “بأنها مهنة جمع الأخبار أو المعلومات أو الوقائع أو التحري والاستقصاء عنها بطريقة مهنية قصد كتابة أو إنجاز مادة إعلامية مكتوبة أو مسموعة أو سمعية بصرية أو مصورة أو مرسومة أو بأية وسيلة أخرى كيفما كانت الدعامة المستعملة لنشرها أو بثها للعموم“.
ونظرا لتفشي هذه الجائحة – وباء الأخبار الزائفة – التي لا تقل خطورتها وتأثيراتها السلبية على الأفراد والمجتمعات عن جائحة فيروس كورونا نفسها، سارعت السلطات الحكومية المغربية إلى التصدي لهذه الظاهرة، من خلال إصدار قانون تنظيمي عام يدخل في إطار ملاءمة الترسانة القانونية الوطنية للقوانين والمعايير المعتمدة دوليا في مجال محاربة الجرائم الإلكترونية خاصة تلك لها علاقة مباشرة بالمساس بالاستقرار وبالأمن العام من جهة، و”سد الفراغ التشريعي الذي تعاني منه المنظومة القانونية الوطنية لردع كافة السلوكات المرتكبة عبر شبكات التواصل الاجتماعي والشبكات المماثلة، من قبيل نشر الأخبار الزائفة وبعض السلوكات الإجرامية الماسة بشرف واعتبار الأشخاص أو القاصرين، خاصة في مثل الظرفية الحالية التي يعرفها العالم، وتعيشها بلادنا، والمرتبطة بتفشي فيروس كورونا“. من جهة أخرى. غير أن هذه التشريعات والنصوص القانونية ذات الصلة بمحاربة الأخبار الزائفة والإشاعات المغرضة لا ينبغي، بأي حال من الأحوال، إلغاء دور المواطن في التعبير عن الرأي وفي حضوره الفعلي في كل القضايا التي تخص الشأن العام في احترام تام للقوانين الجاري بها العمل.
من إعداد الدكتور محمد القاسمي
*حاصل على دبلوم الدراسات العليا بالرباط 1992
* حاصل على شهادة دكتوراه الدولة بفاس 2000
* رئيس شعبة علوم الإعلام والتواصل
* مدير مختبر التواصل وتقنيات التعبير سابقا بجامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس .
* مدير مختبر الدراسات الأدبية واللسانية وعلوم الإعلام والتواصل بجامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس .
* أصدر العديد من المؤلفات الفردية والجماعية والأبحاث والمقالات العلمية.
* الإشراف على العديد من الأطاريح الجامعية وفحصها ومناقشتها.
ـ المشاركة في العديد من الدورات التكوينية والندوات الوطنية والمؤتمرات الدولية في مجالات معرفية مختلفة .
* تحكيم العديد من المقالات العلمية في المجلات العلمية المتخصصة.
* فاعل نقابي محليا وجهويا ووطنيا.