Site icon جريدة صفرو بريس

د.عبد الفتاح الإدريسي البوزيدي يكتب : الإدارة التربوية بالمغرب "الواقع والمأمول"

نفتح نافتنا في هذا الموسم الدراسي 19_20 لنطرح قضايا مرتبطة أساسا بواقع نظامنا التعليمي ، ونفتح نقاشا فكريا مع المتخصصين والمهتمين بهدف تشخيص الواقع واستشراف المستقبل في لحظة مفصلية ملتهبة تحبل بأفكار متضاربة ، ورؤى إشراقية نحو مستقبل أفضل لمنظومتنا التعليمية ،مطل بإرادة رجال التربية والتكوين الأوفياء والغيورين على قطاعهم ، إيثارا وتفضيلا على الذات في حلكان المعاناة المريرة ، وهنا تبدو قداسة رسالة رجل التعليم المضيئة بقبس القيم الخالدة والمحققة للرجاء فوق الشدة ، والممحقة للظلام في شعاع النور ، فالحب المهني وسيلة ناجعة للتطهير الذاتي وتخليق الحياة المدرسية ، والرقي بالمنظومة إلى جودتها ورفعتها .

     نخصص هذا المقال للحديث عن ” الإدارة التربوية ” أي حكامة التسيير الإداري والتربوي بالمؤسسات التعليمية إيمانا منا بأهميتها ودورها الفعال في تنزيل مضامين الميثاق الوطني للتربية والتكوين ، ومقتضيات الخطة الاستراتيجية لإصلاح التعليم (2015/2030) وأجرأتها على أرض الواقع لأنها في اتصال مباشر ويومي مع كل مكونات المنظومة ” تلاميذ – إداريون – أساتذة- آباء –سلطات محلية – هيئات منتخبة – مجتمع مدني…” 

     ارتباطا بهذا التصور صرنا في حاجة ماسة إلى مدير مؤهل علميا وتربويا وتكنولوجيا ،يحمل من التجارب والخبرة والحكمة ما  يؤهله للتواصل مع كل المكونات السابقة والانفتاح عليها والتعاون معها للانخراط في الإصلاح ، وترميم التشوهات التي ارتبطت بالمدرسة العمومية . على هذا النحو غدا المدير معنيا ومطالبا بتقديم مفهوم مغاير للإدارة التربوية المتداولة عند سابقيه والمرتبطة بصورة الأمير الميكيافيلي ،مقتصرا على إصدار الأوامر _أكاد أزعم أن كثيرا من المدراء يرتابون كثيرا في معنى كلمة “تدبير ” ومن أجل ذلك على المدير أن يدخل ما نسميه “حكامة ” في سياسته التدبيرية على أن  ينقحها مما علق بها في الأذهان ، فقد ألفنا أن نخلط بين الإدارة وظروفها الخارجية ،والإدارة ونزواتنا الذاتية-دون أن نكلف أنفسنا عناء البحث عن السر الكامن في النجاح ،والذي نحنّ إليه ونتماهى معه ،ونبدأه ونعيده  .فعلى المدير في تدبيره أن يستأنف النظر في سياسته، والاستئناف لا يكون بعودة الفعل إلى نفسه ،وروح الفكر إلى ذاته ،سواء أكان ذلك البدء عقليا أم ذاتيا ، وهو في حقيقته تأول ، والتأول ليس فقط رجوعا إلى الأول ،وإنما هو إعادة فهم الأشياء والموضوعات ، بل هو إعادة فهم الحقيقة نفسها أي فهم الفهم .   

    مع هذا الفهم تغدو الإدارة التربوية معادلا موضوعيا لمشروع مؤسساتي يحلم بالجودة ن وينشد التميز والفرادة ، من خلال تعزيز الثقة في العناصر القادرة على الانخراط الجدي في الإصلاح والمالكة لكفايات ومؤهلات في دنيا الخلق الإبداع ، والوقوف – بكل شجاعة وثقة – في وجه لوبيات الفساد التي ألفت حياة الخمول والكسل وعرقلة الإصلاح بزرع بذور الحقد والشك والكيد ، مع الحرص الشديد على صيانة حقوق المتعلمين التي ضاعت بين الأخذ والرد، دون التواني في أن يكون مشروعه التربوي ابتكارا من الداخل لا فرضا من الخارج أو تقليدا للغير.

  هذه ملاحظة جديرة بالاهتمام ، فالمدير وهو يبحث عن مقومات الادارة التربوية الحديثة ملزم باستيعاب فحوى النصوص والمذكرات المنظمة وتحويلها وتكييفها ،ولا يقدم على ذلك باعتباره استيعابا وتحويلا في اللغة والاصطلاح فحسب ، وإنما باعتباره استيعابا وتحويلا في المرجع أيضا ، أي في الروح والجوهر وهنا تكمن قوة التجربة  الشخصية للمدير المبدع . هذا الفهم أو الاستيعاب لا ننتظر منه أن يقدم لنا تصورا جديدا وفريدا لم يكن معروفا ومتداولا فذلك يتجاور طاقة المدير وإنما الذي ننتظره منه أن يهيء لنا أجواء تربوية تجدد ثقتنا في حياتنا المدرسية ، هذه الثقة تجعلنا نتجاوز المألوف والمعتاد بحثا عن المحفز والممتع في كل إدارة ، ونرفض فكرة ” ثوابت إدارية – قرارات إدارية “وإذا جاز الحديث عن ثوابت إدارية فلكل إدارة ثوابتها الخاصة التي تحدد فرادتها وتميزها ، وقد تختلف هذه الثوابت من إدارة إلى أخرى ، لكن لا يمنع أن نتفق جميعا في كونها تشكل حكامة في التسيير والتدبير.

    ملاحظة : تخصص ” النافذة ” المقبلة للقاء صحافي مع أحد المدراء حول واقع الإدارة التربوية وإكراهات تنزيل مخططات الإصلاح

Exit mobile version