حقيقة المكملات الغذائية: بين أساطير التخويف وخدع التسويق

قلم : حمزة الوھابي
المكملات في ميزان اللغة و الواقع:
حقيقة المكملات الغذائية : قبل أن نخوض في الجدل الدائر حول المكمللات الغذائية، يجب أن نحدد معناها بدقة. من الناحية اللغوية المكملات مشتقة من التكميل، أي أنها شيء يضاف لتعويض نقص ما.
اصطلاحا، هي منتجات مصممة لسد الفجوات الغذائية في النظام الغذائي، سواءا كانت بروتينات، فيتامينات، معادن، أو غيرها.
لكن لماذا إذا تحولت إلى وحش مخيف لدى البعض و بالخصوص الأسرة المغربية، في حين أنها مجرد أدوات غذائية ؟
خلط كارثي: المكملات و المنشطات في سلة واحدة
أحد أكبر الأخطاء الشائعة هو الخلط بين المكملات الغذائية والمنشطات، هذا الإلتباس لم يأتي من فراغ بل له جذور تاريخية خصوصا في فترة التسعينات عندما شهدت رياضة كمال الأجسام العديد من الوفيات بسبب تعاطي المنشطات بشكل مفرط، حينها استغلت شركة المكملة هذه الرياضة لمصالحها بطريقة ذكية ولكن غير نزيهة.
فقد اعتمدت الشركات على أبطال كمال الأجسام المستعملين للمنشطات كواجهة إعلانية لمنتجاتها، حيث ظهروا في الإعلانات التلفزيونية والمجلات وهم يشربون المكملات، مما اوح للمتابعين بأن هذه المنتجات هي سبب بروز عضلاتهم المفتولة، هذه الحيلة خلقت انطباعا زائف بأن المكملات تؤدي إلى نفس نتائج المنشطات مع عزز الخلط بينهما.
السرية في تعاطي المنشطات و تلفيق التهم للمكملات
في بعض المجتمعات مثل المغرب هناك تحفظ كبير حول الاعتراف لمتعاطي المنشطات, الذي يعتبر ذلك فضيحة قد تؤثر على سمعته الرياضية خصوصا في فترة التسعينات، فهنا عندما يواجه ممارس او لاعب كمال الأجسام مشكلة صحية مثل الفشل الكلوي أو اظطراب هرموني أو أمراض القلب, فإنه غالبا لا يجرؤ على الاعتراف باستخدام المنشطات، وبدلا من ذلك يُرجع السبب إلى “مكملات مغشوشة” أو يدعي أنه كان ضحية خداع.
هذا التوجه عزز الخرافات حول خطورة المكملات الغذائية، خاصة مع غياب توعية علمية واضحة، حتى بعض البرامج التلفزيونية مثل تحقيق 45 دقيقة الذي بث قبل عشر سنوات ساهم بشكل غير مباشر في تغذية هذا الجدل دون تفكيكه علميا.
ثورة العلم : تفكيك الخرافات و تعزيز الفهم الصحيح
في السنوات الآخرة، شهدت صناعة الفتنس أو كمال الأجسام تحول جدري بفضل ظهور ظاهرة “العلم المبني على الأدلة” (science-based fitness) التي يقودها خبراء مثل إيريك هيلمز Eric Helms و جيف نيبارد Jeff Nippard و غيرهم. هؤلاء الباحثون لم ينكرو دور المكملات لكنهم قدموها بحجمها الطبيعي فهي وسيلة مكملة وليست سحرية.
على عكس المدرسة القديمة OLD SCHOOL التي روجت لفكرة أن كمال الأجسام لا يتحقق إلا بالمشطات لكن القصد هنا الترويج الغير المباشر، لأن الاستراتيجيات الدعائية التي كانت أنذاك رسخت الفكرة بطريقة غير مباشرة لدى الناس، شددت المدرسة الحديثة على أهمية التدريب الطبيعي والتغذية المتوازنة، مع استخدام المكملات عند الحاجة فقط، وليس كأداة أساسية لبناء العضلات.
هل نحتاج المكملات فعلا؟ أم مجرد خدعة تسويقية؟
رغم المبالغات الإعلانية التي تجعل المكملات تبدو ضرورية للجميع لا يمكن إنكار فائدتها في بعض الحالات، بل هناك أوقات يتم فيها وصف المكملات من قبل الأطباء لعلاج حالات صحية معينة.
خذ مثلا نقص فيتامين دي وهو شائع جدا بسبب قلة التعرض للشمس، في هذه الحالة يكون المكمل ضروري لسد النقص وليس مجرد منتج رفاهي.
كذلك يعاني الكثير من الناس اليوم من مشاكل الجهاز الهضمي بسبب انتشار ثقافة الوجبات السريعة وغيرها، مما يؤدي إلى نقص البكتيريا النافعة في الأمعاء، في هذه الحالة يمكن أن تكون مكملات البكتيريا النافعة او البروبيوتيك مفيدة لإعادة التوازن الميكروبي للجهاز الهضمي
أما الإجهاد والتوتر فقد أثبتت الدراسات أن مكملات مثل الأشواجندا تساعد في تقليل مستويات الكورتيزول الهرمون المسؤول عن التوتر مما يعزز الصحة النفسية الجسدية.
هذه الأمثلة وغيرها توضح أن المكملات ليست مجرد خدعة، بل يمكن أن تلعب دورا مهما عندما يكون هناك نقص حقيقي يستدعي تعويضه.
الوعي هو الحل: لا للخداع لا للتهويل
المشكلة الحقيقية ليست في وجود المكملات أوغيابها، بل هي في طريقة تناول النقاش حولها، نحن لا نحتاج إلى نشر الرعب بين الناس و إقناعهم بأن المكملات سم قاتل ولا إلى التسويق المفرط الذي يصور المكملات مفتاح الجسم المثالي.
الحل يكمن في التوعية:
متى تحتاج المكملات؟
ما هي الجرعات المناسبة؟
كيف تميز بين منتج جيد وآخر مغشوش؟
ما الفرق بين المكملات و المنشطات؟
عندما يفهم الناس هذه الأمور، لن يكونوا ضحايا خداع تسويقي ولن يقعوا في فخ الخرافات والخوف غير المبرر، سيكون لدينا مجتمع أكثر وعياً، يعرف كيف يستخدم المكملات عند الحاجة و يتجنب المنشطات دون خوف أو تهويل.
الخلاصة
المكملات الغذائية ليست جيدة بالمطلق ولا سيئة بالمطلق، هي أداة مثل أي أداة أخرى، تعتمد فائدتها أو ضررها على طريقة استخدامها دعونا نخرج من دوامة الخوف والتضليل، و نتبنى منهجا علميا قائما على الفهم الصحيح لنصل إلى ثقافة صحية متوازنة في التعامل مع المكملات والتغذية عموما.