أعادت عملية الحجز التي أعلنت عنها مصالح الحرس المدني الإسباني—والمتمثلة في ضبط أكثر من 2 طن و133 كيلوغراماً من الحشيش داخل ست مقطورات قادمة من ميناء طنجة المتوسط نحو ميناء الجزيرة الخضراء—التأكيد على أن شبكات التهريب باتت تعتمد أساليب أكثر تطوراً وتعقيداً مما كان عليه الأمر في السابق. فوفق البلاغ الأمني الصادر يوم 6 دجنبر، تم اكتشاف المخدرات خلال عملية تفتيش روتينية يوم 9 نونبر، حين لاحظت العناصر الأمنية وجود لحامات غير طبيعية ودعامات معدنية مركّبة بطريقة مشبوهة في الهيكل السفلي لإحدى المقطورات. وبالاستعانة بالكلب البوليسي المختص، ظهرت مؤشرات قوية على وجود مواد ممنوعة، ليكشف تفكيك الهيكل لاحقاً عن طريقة متقدمة في التهريب تقوم على تحويل الدعامات السفلية للمقطورة إلى تجاويف سرية مخصّصة لتعبئة الراتنج المخدر.
هذا الأسلوب الجديد يؤكد أن الشبكات الإجرامية لم تعد تكتفي بطرق الإخفاء التقليدية، بل باتت توظف خبرات تقنية في الميكانيك والحدادة الصناعية لإنشاء “صناديق مدمجة” داخل الهياكل المعدنية للشاحنات، في محاولة لتجاوز عمليات التفتيش العادية وأجهزة المسح. كما أن ضبط ستة سائقين وإحالتهم على النيابة العامة الإسبانية يعكس اتساع دائرة هذه الشبكات التي أصبحت تعتمد على سلاسل بشرية ولوجستية معقدة، تتداخل فيها مهام النقل والتغطية والتمويه.
وتبرز هذه العملية مستوى السباق القائم بين الأجهزة الأمنية من جهة، التي تطوّر بشكل مستمر وسائل المراقبة والتمشيط، وشبكات التهريب من جهة أخرى، التي تبتكر بدورها أساليب جديدة تعتمد على التعديل الهندسي العميق لوسائل النقل. كما يشي هذا التطور بأن المعابر البحرية، خاصة محور طنجة المتوسط – الجزيرة الخضراء، ستظل في قلب المواجهة بين الطرفين، بحكم حجم حركة النقل التجاري وكثافة الشحنات العابرة يومياً.
إن ما تكشفه هذه القضية لا يتعلق فقط بمحاولة تهريب كمية مهمة من الحشيش، بل يعكس انتقال الظاهرة إلى مستوى أعلى من الاحترافية والتنظيم، حيث يتحول كل عنصر في الشاحنة إلى جزء من عملية الإخفاء، ويتحول كل سائق إلى حلقة أساسية في مسار التهريب. ومع استمرار هذا التطور، يصبح تعزيز التعاون الأمني بين المغرب وإسبانيا وتقوية آليات التفتيش أمراً ضرورياً لمواجهة تهديد لا يتوقف عن التجدد، ويُظهر في كل مرة أن شبكاته قادرة على ابتكار أساليب أكثر دهاءً وخطورة.

