بقلم: المسكين يوسف
في الوقت الذي ترفع فيه حكومة اخنوش لافتة شعارها “نعمل على تطوير الصناعة والفلاحة والسياحة، ونكتب تاريخ أخر للعدالة الإجتماعية”، نجد الواقع يفنذ هذه اللافتة الإشهارية.البرامج السياسية والاقتصادية، والخطط المستقبلية، والقوانين التي تسن، كلها تخدم طبقة واحدة: الأغنياء. أما الفقراء، فأصبحوا مثل العبيد في الضيعات والمعامل والمشاريع البرجوازية. فرغم الشعارات التي يرفعها المسؤولون من قبيل “الحماية الاجتماعية”، و”الدعم الاجتماعي”، و”توفير فرص الشغل”… فهي ليست سوى جمل لتغطية الواقع المزري.لا أحد منهم تجرأ على مناقشة مدونة الشغل، ولا الشروط المجحفة التي يعاني منها العمال في كل القطاعات.في الآونة الأخيرة، ثار الجدل حول الحد الأدنى للأجور، الذي حدد في 3000 درهم. فهل هذا المبلغ الزهيد قادر على ضمان العيش الكريم لأغلبية المغاربة؟ثمن الكراء في المدن والأحياء الهامشية لا يقل عن 1500 درهم، وثمن الماء والكهرباء يتراوح بين 200 و400 درهم، إضافة إلى تكلفة النقل التي قد تصل إلى 900 درهم في الشهر. بهذه المصاريف الثلاثة، تنتهي أجرة العامل. فماذا سيأكل؟ بماذا سيتداوى؟ كيف سيكسو أبناءه؟ بماذا سيقابل عائلته؟هذه فئة ضمن المجتمع المغربي، أغلبها تشتغل في مصانع الكابلاج، وشركات الحراسة، والمعامل. ورغم أنها تعتبر “مهيكلة” وداخل إطار القانون، إلا أن الأجر الزهيد الذي تتقاضاه هو صرخة مدوّية ضد الشعارات والمشاريع الاقتصادية، وضد أرقام “التقدم” التي ملأت حناجر الحكومةأما ما تبقى، فهو أكثر إيلاما. عاملات النظافة، مثلا، يشتغلن بأجور أقل ما يمكن أن يُقال عنها إنها عنوان للظلم في القرن الواحد والعشرين. هناك من تشتغل بـ1000 درهم، وأخرى بـ1500 درهم، دون حسيب أو رقيب. المقاولات والشركات تستغل، ومفتشو الشغل يتواطؤون أو يغضون الطرف.وتقول مجموعة من الأصوات النقابية أن وضعية العمال لا تبشر بالخير د،وجاء في تصريح لصوت من نقابة حراس الأمن الخاص وعمال وعاملات النظافة:”نشتغل 12 ساعة يوميًا بأجور هزيلة، دون راحة أسبوعية، ودون أية حماية اجتماعية، وكأننا لا نعيش في دولة قانون. ما يجري هو استعباد قانوني.”أما عمّال المقاهي، فأجورهم تتراوح بين 50 و100 درهم في اليوم، معتمدين في قوتهم على ما تجود به جيوب الزبائن.ويقول أحدهم:”الناس كتشوفنا واقفين بخاطرنا، ولكن ما عارفينش أننا خدامين بدون ضمان اجتماعي، ولا عقد قانوني، ولا حتى أجر قار. أنا شخصيًا خدام بـ80 درهم فالنهار، وهادشي ما كافي حتى للكراء.”برغم التصريحات الحكومية بضمان حقوق العمال، فإن أغلبية هذه الفئة غير مسجلة في الضمان الاجتماعي، حيث يحرمون من أبسط حقوقهم ورغم ذلك، تستمر الحكومة في إصدار معطيات وأرقام “مطمئنة”، لا تعكس الواقع على الأرض. ربما تكون صحيحة في معطياتها، لأنها حكومة الأغنياء، ولا تمثل الغالبية الساحقة من الفقراء.في النهاية فإن “التقدم” الذي تتحدث عنه الحكومة، يفنده واقع الفئات الهشة، التي تمثل أكثر من 70% من المجتمع.فأغلب المشاريع، سواء في الفلاحة أو الصناعة أو الخدمات، تخدم أصحاب رؤوس الأموال، وتقدم كواجهة تسويقية أمام الرأي العام، لكنها في العمق، تقسم ظهر الفقراء.