لا خلاف حول حقيقة أساسية مفادها أن كل مسؤول ثبت تورطه في خروقات مرتبطة بالبنية التحتية أو التقصير في أداء واجبه، يجب أن يخضع للمحاسبة وفق القانون، لأن ربط المسؤولية بالمحاسبة مبدأ دستوري وأخلاقي لا يقبل المزايدة ولا الانتقائية. غير أن تحويل الفيضانات الأخيرة التي عرفها المغرب إلى مادة للتهويل والشيطنة الشاملة، يطرح أكثر من علامة استفهام حول النوايا والخلفيات.
فالفيضانات التي اجتاحت عدداً من مناطق المملكة، على قساوتها وخسائرها المؤلمة، تظل جزءاً من ظاهرة طبيعية عالمية باتت تتكرر بوتيرة متسارعة بفعل التغيرات المناخية. وهي ليست استثناءً مغربياً، ولا دليلاً حصرياً على فشل أو “خصوصية سلبية”، كما يحاول البعض تصويرها. بل إن دولاً أوروبية تُقدَّم غالباً كنماذج في التدبير والبنية التحتية، مثل إسبانيا واليونان والبرتغال، شهدت خلال السنوات الأخيرة فيضانات مدمرة أودت بحياة المئات، رغم الإمكانيات التقنية والمالية الهائلة المتوفرة لديها.
من هذا المنطلق، يصبح من غير الموضوعي اختزال الكارثة في خطاب إدانة شامل، أو توظيفها سياسياً وأيديولوجياً خارج سياقها الطبيعي والعلمي. نعم، يجب فتح التحقيقات، وتحديد مكامن الخلل، ومساءلة كل من ثبت تقصيره، سواء تعلق الأمر بضعف الصيانة، أو سوء التخطيط، أو غياب الاستباقية في بعض النقاط السوداء. لكن في المقابل، فإن محاولة الركوب على معاناة الضحايا، وتحويل الكارثة إلى أداة لتصفية الحسابات أو تسويق قراءات انتقائية، لا تمت للأخلاق ولا للمسؤولية بصلة.
إن المغرب، كغيره من دول العالم، بلد معرض للكوارث الطبيعية، خاصة في ظل التحولات المناخية العنيفة التي لم تعد تعترف بحدود الجغرافيا ولا بمستوى التنمية. والتعامل الرصين مع هذه الوقائع يقتضي الفصل بين النقد المشروع القائم على المعطيات والوقائع، وبين خطاب التهويل الذي لا ينتج حلولاً بقدر ما يغذي الإحباط والتشكيك.
اليوم، الحاجة ملحة إلى نقاش عمومي هادئ ومسؤول، يركز على تطوير سياسات الوقاية، وتعزيز صلابة البنية التحتية، وتحسين آليات التدخل والاستجابة، بدل الانزلاق نحو شيطنة مجانية لا تخدم سوى الضجيج الإعلامي. فالكوارث الطبيعية امتحان للدول والمجتمعات، والنجاح فيه لا يقاس بالصراخ، بل بقدرة الجميع على النقد البناء، والتضامن، والعمل على تصحيح الاختلالات دون مزايدات.