Site icon جريدة صفرو بريس

بمناسبة رأس السنة الأمازيغية عبد الحق كربوب يكتب عن بويبلان

في ظل الاقبال الكبير الذي عرفته السياحة الداخلية و بالخصوص سياحة الاعالي، أود ان أعرف بإحدى الوجهات المفضلة للذين يبحثون عن صفاء الجو و شساعة المنظر، هي منطقة بويبلان بالأطلس المتوسط.يقع جبل بويبلان في شمال الاطلس المتوسط الشرقي التابع إداريا الى إقليم تازة و سنتطرق في مقالنا هذا الى منطقة بويبلان ككل و نقصد بها كل التضاريس المحيطة بجبل بويبلان من وديان و جبال و هضاب و منحدرات و سفوح، لها منفد من الشمال عبر راس الماء من تازة و منفد من الجنوب عبر تافجيخت من بولمان و منفد من الشرق عبر راس القصر من جرسيف و منفد من الغرب عبر رباط الخير من صفرو و فاس.و قبل ان نخوض في تضاريس المنطقة لابد أن نشير إلى الجانب الأنتروبولوجي في المنطقة التي تعد آهلة بسكان قبيلة بني وراين الأمازيغ و هي زناتية الأصل و اللغة، فاستعمال كلمة ذات اصل عربي هو في اعتقادي ناتج عن الاحتكاك بالقبائل العربية المجاورة لها كبني يازغة و غياثة و هوارة و الحياينة الذين يستعملون كلمة “بني” في وصف مجموعة سكانية ذات أصل واحد، كذلك اللغة و المجتمع يتغيران بفعل الزمكان. فكما حكى لنا اجدادنا عن قبيلتهم بني وراين بأنهم جاؤو على بوابة الشرق قبل قرون مضت و يجمع على أنهم دخلو من اوطاط الحاج ثم جبال بويبلان و بالتالي الاستقرار في منطقة مغراوة ثم التوسع حول الأطراف حتى أصبح مجال القبيلة يغطي مساحة كبيرة شمال الاطلس المتوسط.تولي قبائل بني وراين أهمية بالغة لثقافتها المحلية المتوارثة عبر اجيال، و يظهر هذا الاهتمام في حفلات الزفاف و المناسبات الإجتماعية و الدينية و الولائم التي ينظمونها بينهم، و يعد حفل الزفاف أبرز حدث يجتمع عليه السكان و الأهالي و الحفل الأكثر إظهارا للموروث الثقافي، حيث يظهر العروسين بمظهر جميل و أنيق للحاظرين، و قد أبدع الوراينيون على مر التاريخ في تزيين العروسين لكن نصيب العروس من الاحتفاء و التزيين أوفر مقارنة مع العريس و ذلك راجع بالأساس للمكانة التي يوليها الامازيغ للمراة، إذ يمكن للغريب عن الثقافة المحلية أن يميز العروس عن باقي النساء بلباسها المختلف حيث نرى زيا تقيلا مزركشا مصنوع من الصوف الطبيعي بشكل يدوي يسمى “تاسديشت” و خلخال عليه أشكال مختلفة من الزخاريف يبدأ من مقدمة الراس إلى أدنيها يسمى “تبرطين” و في يديها دملجين يسميان “تمقياسين” بينما يوضع على صدرها حلي يسمى “الشركت”.لكن الزفاف لا تكتمل بهجته حتى يصدح في الأجواء الصوت المنبعث من ضرب الايادي بالدفوف و صوت الاهازيج المتشكلة من طبقات ألحان و مقامات و زغاريد من حلق نسوي قوي على نطاق ‘السوبرانو’ معلنة عن بداية الرقصة الرائعة، رقصة احيدوس الورايني ذات الصف الواحد و الزي الموحد و الأشعار المختلفة و هذا الذي يعطيها طابع خاص رغم بعض التقارب النسبي مع الرقصات الامازيغية الاخرى، عندما نتابع رقصات احيدوس نرى لوحة فنية تتمثل في حركات الجسد فنجدها لا تخلو من دلالات و ما يزيد في الكشف عنها هو تنوع الرقصات المؤدات خلال الفلكلور التي تتغير حسب تعاليم شيخ الفرقة و هو في الغالب يتوسطها ليحكم قيادة الحيدوس و بالتالي إعطاء لوحة فنية رائعة.و بالرجوع الى تضاريس بويبلان فالمنطقة عبارة عن مرتفعات و منحدرات شديدة و وعرة كما تتميز بانجرافات ناتجة عن مجاري الأمطار الشديدة الإنحدار خلال الفصول المطيرة.و قد أكد جل الرحالة الذين عبرو المنطقة على علو الجبال و اتساعها اذ يقول حسن الوزاني في وصف افريقيا ( وبلان أو بويبلان جبل شاهق شديد البرودة كبير الاتساع و يظهر الثلج بقمته في جميع فصول السنة)، تتحدد عدة مستويات متدرجة في هذا النطاق الجبلي، مستوى أعلى تمثله قمة موسى او صالح 3192 متر تليه قمة بويبلان 3080 متر ثم مستوى متوسط في جبل تازكة بعلو يصل الى 1980 متر ثم قمم منتشرة بجوار السلسلة مختلفة الارتفاع كما يوجد في المنطقة وديان كثيرة و شعاب عميقة تستوعب مياه الامطار بحيث في غالبيتها تصب مياهها نحو الشرق في إتجاه نهر ملوية و جزءا منها يتجه صوب حوض سبو، أما فيما يخص تربة المنطقة فيغلب عليها الطابع الصخري خصوصا في المرتفعات ثم التربة الطينية و الترسبات الكلسية في ما تبقى.تخضع المنطقة لتأثيرات المناخ المتوسطي الذي يتميز بجو حار نهارا و بارد ليلا في الصيف و شتاء رطب تزداد فيه التساقطات مع علو التضاريس ممتد طيلة ثمانية أشهر من منتصف فصل الخريف إلى منتصف فصل الربيع بالإضافة إلى تساقط الثلوج بوفرة في القمم و المرتفعات بحيث ينزل الى مستوى 1600 م في بعض الاحيان.هذا التميز في التضاريس و المناخ أنتج غطاء نباتي غني و متنوع حيث تغطي الغابات مساحات شاسعة بشكل كثيف بكل من جماعات مغراوة و بويبلان و باب بويدر و الصميعة و تضم تشكيلات غنية كالأرز المنتشر بتافرت و تامطروشت و البلوط الفليني بتازكة و باب ازهار و البلوط الأخضر في المجال المتبقي، مع انتشار الأعشاب المتنوعة كالزعتر و نبتة أزير على سبيل المثال لا الحصر .زيادة الى المساحة التي يشغلها منتزه تازكة الوطني بمجال يناهز 13737 هكتار و الذي يشكل موردا حقيقيا للنشاط السياحي حيث يشمل المنتزه وحدات بيئية إحيائية بانورامية فريدة.لكن لمن يريد ان يعرف أكثر على منطقة بويبلان عليه برحلة استكشافية و ستكون ممتعة و غير مكلفة مقارنة مع المناطق السياحية الاخرى.

Exit mobile version