Site icon جريدة صفرو بريس

باكستان وإيران : بين الضغط الرمزي وإشارات التحول الجيوسياسي

لا تزال أصداء القرار الذي صادق عليه مجلس الشيوخ الباكستاني بالإجماع، دعماً لإيران في مواجهة “الاعتداءات الإسرائيلية”، تثير الكثير من النقاشات داخل الأوساط السياسية والدبلوماسية. ففي الوقت الذي اعتبره البعض موقفًا تضامنيًا ذا طابع رمزي، يرى آخرون فيه مؤشّرًا دقيقًا على تحولٍ محتمل في التموضع الإقليمي الباكستاني، في سياق اشتداد التوترات بين طهران وتل أبيب.

القرار، وإن لم يتضمّن إشارات صريحة إلى دعم عسكري مباشر، إلا أنه لا يمكن اعتباره مجرد تعبير برلماني عابر. فصدوره بالإجماع، وتزامنه مع تصعيد غير مسبوق في الخطاب الباكستاني الرسمي تجاه إسرائيل، يشي بأن إسلام آباد قد تكون بصدد إعادة ضبط بوصلتها الجيوسياسية، وفق ما تفرضه التوازنات الإقليمية الجديدة.

لكن في غياب مؤشرات عملية على الأرض—لا إرسال أسلحة، ولا إعلان تحالف دفاعي أو دعم لوجستي—يبدو أن باكستان تعتمد في هذه المرحلة لغة رمزية محسوبة، تُرسل من خلالها رسائل متعددة الأطراف: إلى إسرائيل، إلى واشنطن، إلى دول الخليج، وحتى إلى الداخل الباكستاني ذاته.

في المقابل، تبقى فرضية تطوّر هذا الموقف من مستوى الدعم الرمزي إلى دعم فعلي قائمة، ومرهونة بعدة عوامل:

مدى تصاعد العدوان الإسرائيلي على إيران.

موقف القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين.

التفاعلات داخل البرلمان الباكستاني وموقف الجيش الذي يلعب دورًا محوريًا في السياسة الخارجية للبلاد.

ما يمكن قوله بثقة هو أن هذا القرار البرلماني ليس حدثًا معزولًا، بل جزء من حراك سياسي ودبلوماسي أوسع، قد يُفضي إلى تحول في التموضع الباكستاني، سواء عبر دعم دبلوماسي مكثف، أو في سيناريوهات قصوى، عبر أشكال غير مباشرة من الدعم.

لذلك، فإن التعاطي مع هذا القرار لا يجب أن يكون من زاوية ضيقة، بل من خلال قراءة دينامية للمواقف الإقليمية، ووضعه في سياقه التاريخي الذي طالما وازنت فيه باكستان بين علاقتها بإيران، ومصالحها مع الغرب ودول الخليج.

في المحصلة، قد لا تكون باكستان قد حسمت موقفها العسكري بعد، لكنها بالتأكيد أطلقت إشارة سياسية قوية، ومن يراقب الخارطة الجيوسياسية جيدًا، يعلم أن الإشارات أحيانًا تُمهّد لما هو أبعد من الخطاب.

Exit mobile version