أحمد الدرداري
فرضت التوازنات الجيوستراتيجية الجديدة تغيير في موازين القوة الدولية وفي المعايير المعتمدة وكذلك الوسائل الديبلوماسية الجديدة ومنها :
- اليبلوماسية الدينية وخطر الارهاب:
ان أوربا مخترقة من طرف المتشددين والذين شاركوا في عمليات ارهابية سواء في سوريا أو غيرها وهم حاملي لافكار سبي النساء واستخدمهنا كإماء و استعبادهن جنسيا و التمرد باسم الذين على الدين وهو منهم بريء، وهذا يتناقض مع المبادئ التي تقوم عليها الديمقراطية في اوربا. واللجوء الانساني يجب ان يمنح للمتشردين جزاء الجوع والعنف والحروب وليس للفاعلين فيها من ارهابيين وسياسيين انفصاليين ومجرمين. فاحتضان دولة غربية مثل المانيا لمثل هؤلاء القتلة يعني أنها دولة تعترف وتمجد العنف والتطرف و الارهاب بطريقة مباشرة، ويتبين أن ألمانيا تريد أن تمسك بخيوط الجماعات الارهابية لتأمين نفسها والمساهمة في تخويف الدول الأخرى عن طريق والتعاون مع قياديين ومخططي ومنفذي علميات تفحير بطريقة غير مباشر. ويطرح على ألمانيا سؤال مدى مساعدتها في بناء العالم الجديد وليس في تحطيمه والرجوع به الى عهد النازية العنصرية بوجه جديد وناعم. والمغرب له القدرة على مواجهة الخطر الارهابي والمساهمة في حماية اوربا من تفجيرات مخربة ومسيئة لنفسية الشعوب الاوربية، والتعامل معه يجب ان يكون أفضل بالنظر الى مكانته الجيوستراتيجية. وعليه فان استضافة ارهابيين على الأراضي الألمانية يبين أن ألمانيا متمردة ايديولوجيا ومتمادية في فهم متطلبات التعاون الدولي في مجال محاربة الإرهاب، والتاريخ يثبت التعاون الألماني الإيراني والتقارب الآري والثراث المشترك والتحالف التاريخي بين البلدين، حيث طالب أحمدي نجاد بايحياء التحالف بين البلدين، بالاضافة الى الدور الدبلوماسي الألماني في الملف النووي الايراني، وهذا ما جعل الولايات المتحدة الأمريكية تبقي على قواعدها العسكرية في المانيا منذ الحرب العالمية الثانية لكون الفكر الألماني منتج للفكر الديكتاتوري والحروب. ذلك أنها استعملت أبشع الوسائل في التعامل الدولي منها المحرقة اليهودية والتسبب بحرق منطقة الشمال بالغاز السام الذي استعملته اسبانيا ضد المواطنين في حرب الريف ما بين 1924 و 1927.
الديبلوماسية الحزبية وخطر الانفصال:
ان العلاقات المغربية الألمانية عرفت توترا وخلافات بشكل علني وذلك بسبب الاعتراف الامريكي بمغربية الصحراء، والتدخل عن طريق جمعيات سياسية ألمانية في الشؤون الداخلية للبلاد وتقديم من خلال ذلك تعاون مع الخصوم، اضافة الى اصطفافها المباشر الى جانب الجزائر والتقدم بطلب اعادة النظر في القرار الامريكي على مستوى مجلس الأمن وهو ميل واضح تتحكم فيه عدة عوامل ومصالح سياسية واقتصادية ضيقة، وكذلك الاستيعاب والفهم المتقدم لمستوى تموقع المغرب دوليا، وأدواره الاستراتيجة وثأثيره في العلاقات الدولية ومنها قضية ليبيا ومالي والتشاد وغيرها. وسواء ألمانيا أو اسبانيا لا يمكنهما التحكم في التطورات التي يعرفها المغرب، وأن التقارير التي تعدها المنظمات السياسية هي فقط للتشويش على مغربية الصحراء، بل يجب على المنظمات السياسية أن تكون متميزة بالموضوعية وأداة للحافظ على موافق ألمانيا تجاه المغرب وتشجيعه على ما حققه على المستوى التنموي، لأن التخلف الذي عانته وتعانيه الشعوب هو بسبب هيمنة الاقتصادات الاوربية على ثروات البلدان المتخلفة .
فالمغرب أصبح منافسا في الأدوار على المستوى الدولي وغير من موقعه الجيوستراتيجي، والتعارض مع مصالح ألمانيا تبرر به أنها تريد فقط ابقاء المغرب خارج دائرة الصراع الدولي ومحاصرته في الصراع الحدودي مع الجزائرلأنها أخذت العبرة مواقف تركيا، ولا تريد تكرار ذلك مع المغرب رفضا لأي تقدم يجاري اوربا، وألمانيا التي تعاكس الوحدة الترابية للمغرب في واضحة النهار وهو موقف يقتضي من الاحزاب المغربية التصدي وتعميق البحث في العلاقات الألمانية الامريكية والاسرائيلية ولماذا لم تجد غير الجزائر العسكرية كمتنفس للبحث عن مدخل ولو مفلس لها لكونها بعيدة جغرافيا عن منطقة الصراع لمعاكسة مصالح المغرب.
الدور الإقليمي الذي يلعبه المغرب لاسيما الملف الليبي وإبعاد المانيا للمغرب من المشاركة في الاجتماعات المخصصة لهذا الملف في اجتماع برلين، واستعادة المغرب لدوره ثانية في الملف الليبي جعل ألمانيا تنتقم وتعاكس الوحدة الترابية للمغرب وهو يصنفها خارج الحياد لقيادة العالم الجديد مادامت التجربة الألمانية تحتكم للثقافة الألمانية التقليدية التي تريد أن تجعل منها اليوم نازية ناعمة وليس هكذا يجب أن تعالج القضايا الدولية من منظر دولة متقدمة.
ودبلوماسيتها ليست دبلوماسية متوازنة وقد سبق للمغرب أن عارض توجه ألمانيا النازية في قضية المحرقة رغم ضعف مكانة المغرب آنذاك في زمن الحرب العالمية الثانية.
والدبلوماسية الجزبية مطلوبة اليوم وهي التي يمكنها أن تقارع الايديولوجيات والمواقف، و تحافظ على المصالح مهما كانت التكلفة والتضحيات التي تحافظ على العلاقات في ظل الأزمات، ومنع جر المغرب الى الصراع لكونه غير من استراتيجيته مهمة حزبية، ولا يمكن مساومة التوجه المغربي الذي يتوفر على مناعةداخلة، وله قناعة بأن سياسة التحكم في مستقبل البلدان وتطورها قد انتهى ، ومهمة الأحزاب هي الضغط على الاحزاب المعادية والانفصالية في اسبانيا وألمانيا بأن تراجع حساباتها وتقر بمواقف المغرب واتيان القضايا بواقعية .
اليبلوماسية الاقتصادية وخطر العولمة:
يهدف الاتصال الدبلوماسي لوزير الخارجية المغربي بعدد من الدول الإفريقية كالغابون والبنين وزامبيا إلى تكثيف الاتصال الدبلوماسي بشأن القضايا المشتركة والتأكيد على المقاربات التعاون المتكاملة والشراكات المربحة. والعمل على توسيع مجال الدبلوماسية الاقتصادية على المستوى الإفريقي والشركاء الأفارقة سواء الذين سجل معهم المغرب حضورا متميزا على كدول إفريقيا الفرونكوفونية أو التوجه نحو افريقيا الانجلوساكسونية التي كان للمغرب معها حضور محتشم في الماضي القريب، حيث أن الديبلوماسية وسيلة ناجعة لتغيير قرارات هذه الدول ووجه علاقاتها مع المغرب، ذلك أن الدول الإفريقية تحتاج إلى دبلوماسية متنوعة اقتصادية وأمنية ودينية وقضائية وثقافية وناعمة ووسيطة .. لتكون بديلا للركود الذي عرفته جراء التبعية الاقتصادية التي عطلت النمو على جميع الدول الافريقية.
فتوجهات المغرب الجديدة ترتكز على تكييف الأهداف والوسائل البديلة ضمن مقاربات متكاملة وتراعي الأولويات لكل دولة على حدى في مقابل تحقيق الأهداف المشتركة،
فالشراكات الاقتصادية والتجارية ومشاريع الانتفاع من الخدمات الدولية والمصرفية أو المالية وغيرها هو توجه يرتبط بالدبلوماسية المعاصرة، ويمكن للدول الاوربية أن تبحث عن شراكات مع المغرب الذي يركز على الدول الإفريقية لاسيما غرب وشرق إفريقيا، لأن ذلك مرتبط بالتحول في الدبلوماسية المغربية وهو توجه يحمل فرص تعاون مع دول جديدة وبمقاربات جديدة تحترم حقوق الشعوب وتحقق الأهداف المشتركة.
فالمثلث النيجيري الجزائري والجنوب إفريقي في الماضي القريب كان حاجزا ضد الوحدة الترابية للمغرب لكن الدبلوماسية المغربية الجادة والهادفة والواقعية، كسرت هذا الحاجز وفرضت بآليات الإقناع الممكنة دولة نيجيريا بتغيير قرارها وتوجت بأكبر مشروع استثماري في إفريقيا لخط أنبوب الغاز 25 مليار دولار ويمتد على طول 5660 كلم عبر 13 دولة، بالاضافة الى إنشاء مصنع للأمونياك بمبلغ 1.3 مليار دولار لإنتاج مليون طن من الأسمدة و 757 ألف طن من الأمونياك سيمكن نيجيريا من تحقيق الاكتفاء الذاتي.
وكذلك تم إحداث مصنع لإنتاج الأسمدة في نيجيريا بالإضافة إلى دعم المملكة وتضامنها في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف من خلال تكوين الأئمة بمعهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات وأيضا مواجهة الجماعات المتطرفة التي تستهدف نيجيريا خصوصا (بوكو حرام وداعش ).
الديبلوماسية الواقعية وخطر الايديولوجية:
يعد المغرب أكبر مستثمر في دول إفريقيا الغربية كما أن التعاون الأمني أو الدبلوماسية الأمنية مهم وضروري لإنجاح مجالات التعاون الأخرى، لحماية الشراكات الاقتصادية.
والتفوق في المعركة الاقتصادية التي سجلت خيبة أمل متتالية للدبلوماسية الجزائرية، ودفعتها نحو الفشل لافتقارها للجدية والمعقولية التي تتطلبها عملية بناء علاقات وازنة وخالية من الركوب على حقوق الدول والتسويق الكاذب والمغرض واتبع سياسة الطريق المسدود.
بينما المغرب يعمل على تكييف الأهداف والوسائل ضمن مقاربات جنوب – جنوب المتكاملة والمكملة لبعضها طبقا لمنطق رابح رابح، وأن الأولويات على مستوى العمل قد لاتكون بنفس الترتيب على مستوى تحقيق الأهداف بين الدول.
فالدبلوماسية الجديدة كالديبلوماسية الاقتصادية والبيئية منذ 2012 التي اعتمدتها فرنسا .
أو الدبلوماسية الناعمة (كالتعليم – المنح – شبكة المدارس – التكوينات – تنمية الحوار الدولي..)، تجد طريقها في الدبلوماسية الدينية، من خلال الزوايا وتكوين الأئمة الأفارقة ومحاربة التطرف الديني والتي لقيت ترحبا واسعا لدى الدول والشعوب الإفريقية يبين أن المملكة الروحية تطغى على الارتباط الديني المغربي الإفريقي لاسيما الطريقة التيجانية.
فالدراسات الدينية والعبادات الصوفية والتوجهات الدينية السمحة هي التي تطغى على الدبلوماسية المغربية الإفريقية ، حيث استطاع المغرب أن يفتح فروعا في 34 دولة تابعة لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة . ويعتبر التوجه الديني درعا واقيا من الإرهاب باسم الدين خصوصا المنهج التعبدي الزاوياتي المذهبي المعتدل والعقدي الثابت والمتوجد في الدول الإفريقية و يقرب المسافات والهوة الدبلوماسية لدول القارة السمراء من خلال السلطة المعنوية وتكوين الأئمة واستقبال الطلبة من القارات الثلاث، حيث أن الخرجين من الطلبة الأفارقة هم الأكثر بالمقارنة مع الباقي وهي في خدمة المغربي الإفريقي .
ان الهدف من تمتين العلاقات وتنوعها هو تنوع سبل الدفع بانهاء نزاع الصحراء عن طريق المباحثات التي تهدف الى تعزيز العلاقات الاستراتيجية وتقوية التعاون في المجال الاقتصادي وتقوية القرابة الاستراتيجة جنوب جنوب.
الديبلوماسية الطاقية وخطر نفاذ الموارد:
يفرض الأمن الطاقي تحصين القارة الإفريقة من تهديدات نفاذ الموارد ، ومن تهديدات الجماعات المسلحة، الشيء الذي تفتقده المقاربة التي تهدف إليها الدبلوماسية الجزائرية، خصوصا وأن أروبا الشرقية تعرف صراعا بسبب الغاز الروسي حيث تضغط من خلاله روسيا على أروبا، وهو ما يدفع ألمانيا الى التعاطف مع روسيا ، ايران والجزائر .
ان القيام بمعاكسة المغرب أبانت عن تورط اسبانيا والجزائر في فضيحة سياسية تتعلق بالتستر على المجرم ابراهيم غالي والتستر على تزوير هويته ونقله سريا الى اسبانيا بدواعي انسانية لكن الامر يتعلق بمناورة مفضوحة، والمغرب يتعاون مع اسبانيا بحسن الجوار وبالخيارات الاستراتيجية التي تراعي مصالح الدولتين الجارتين، في الوقت الذي تعرف الميزانية العامة للجزائر عجزا بحوالي 22مليار دولار، والسبب هو انغلاق النظام العسكري الشمولي على المستوى المغاربي وضعف المعرفة الاقتصادية لديه وتوجيه الجهد والانظار نحو الصراع مع المغرب لاخفاء مشاكل الشعب الجزائري.
ان العالم اليوم دخل في مرحلة توازنات جيوستراتيجية فرضت إدارة جديدة للحروب وبأدوات مختلفة، حيث أن الحرب الأمنية والحرب الإقتصادية وحرب المواقع والأدوار وحرب المصالح تصل مداها الى الحرب الحضارية .. تخضع لقوة ديبلوماسيات القطع مع الايديولوجية الكلاسيكية التي تغذى النزاعات التي تعود الى مرحلة الاستعمار و الحرب الباردة وتعززها الحرب الاقتصادية . بل هي حروب التخلص من ارث حروب الثنائية القطبية واعتماد حرب المعايير و القوة التي فرضها عالم بلا معالم.